للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِدُخُولٍ

(وَلِحُرٍّ) طَلْقَاتٌ (ثَلَاثٌ) ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ: قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] أَيْنَ الثَّالِثَةَ؟ ، فَقَالَ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] » (وَلِغَيْرِهِ) وَلَوْ مُكَاتَبًا، وَمُبَعَّضًا (ثِنْتَانِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُوِيَ فِي الْعَبْدِ الْمُلْحَقِ بِهِ الْمُبَعَّضِ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حُرَّةً أَمْ لَا؟ ، وَتَعْبِيرِي بِغَيْرِهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْعَبْدِ.

(فَمَنْ طَلَّقَ) مِنْهُمَا (دُونَ مَا لَهُ) مِنْ الطَّلْقَاتِ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ (وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ) لَهُ (بِبَقِيَّتِهِ) أَيْ: بِبَقِيَّةِ مَا لَهُ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ يَحُوجُ إلَى زَوْجٍ آخَرَ، فَالنِّكَاحُ الثَّانِي، وَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يَهْدِمَانِهِ كَوَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ، أَمَّا مَنْ طَلَّقَ مَا لَهُ فَتَعُودُ إلَيْهِ بِمَا لَهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الثَّانِي بِهَا أَفَادَ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْعَقْدِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِاسْتِغْرَاقِهِ فَكَانَ نِكَاحًا مُفْتَتَحًا بِأَحْكَامِهِ

. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) كَمَا يَقَعُ فِي صِحَّتِهِ (وَيَتَوَارَثَانِ) أَيْ: الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ (فِي عِدَّةِ) طَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ) ؛ لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ بِلُحُوقِ الطَّلَاقِ لَهَا كَمَا مَرَّ، وَصِحَّةُ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الرَّجْعَةِ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ، فَلَا يَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّتِهِ؛ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ

(وَ) شُرِطَ (فِي الْقَصْدِ) أَيْ: لِلطَّلَاقِ (قَصْدُ لَفْظِ طَلَاقٍ لِمَعْنَاهُ) بِأَنْ يَقْصِدَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ (فَلَا يَقَعُ) مِمَّنْ طَلَبَ مِنْ قَوْمٍ شَيْئًا، فَلَمْ يُعْطُوهُ فَقَالَ: طَلَّقْتُكُمْ، وَفِيهِمْ زَوْجَتُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَلَا (مِمَّنْ حَكَى طَلَاقَ غَيْرِهِ) كَقَوْلِهِ: قَالَ فُلَانٌ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَمْثِيلِهِ بِطَلَاقِ النَّائِمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ عُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِيمَا مَرَّ (وَلَا مِمَّنْ جَهِلَ مَعْنَاهُ، وَإِنْ نَوَاهُ وَلَا مِمَّنْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِهِ) لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ إلَيْهِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَا يُؤَثِّرُ. اهـ، وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ: بِالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: يَقَعُ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِانْحِلَالِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مُجَارَاةُ الْخَصْمِ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ بِالْبَيْنُونَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْبَيْنُونَةِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْك فَلَا وَقْعَ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَلَا وُقُوعَ أَيْضًا لِارْتِفَاعٍ إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ: وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ فِي الْبَيْنُونَةِ، فَلَا يَقَعُ أَيْضًا لِارْتِفَاعٍ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَلِحُرٍّ ثَلَاثٌ) وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَاتٌ فَحَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ قَبْلَ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ: عَيَّنْت فُلَانَةَ لِهَذَا الْحَلِفِ تَعَيَّنَتْ، وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهَا إلَى تَعْيِينِهِ فِي غَيْرِهَا، وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَا بَعْدَ تَوْزِيعِ الْعَدَدِ عَلَيْهِنَّ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ حَلَفَ إفَادَةُ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى فَلَمْ يَمْلِكْ رَفْعَهَا بِذَلِكَ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ قَبْلَ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِبَارَةُ حَجّ، وَلَوْ بَعْدَ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. اهـ، وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّعْيِينِ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ فِي مَيِّتَةٍ أَوْ بَائِنٍ بَعْدَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِهِ لَا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ع ش. قَوْلُهُ: سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] إنْ قُلْت: لَيْسَ السُّؤَالُ عَنْ قَوْله تَعَالَى؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: أَيْنَ الثَّالِثَةُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ نَاشِئًا عَنْ قَوْله تَعَالَى كَانَ كَأَنَّهُ سُؤَالٌ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ: الْمَعْنَى سُئِلَ سُؤَالًا نَاشِئًا عَنْ قَوْله تَعَالَى أَوْ أَنَّ عَنْ بِمَعْنَى بَعْدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: ١٩] أَيْ: بَعْدَ طَبَقٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ طَلَّقَ إلَخْ) لِإِيهَامِ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا طَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ مَلَكَ بَقِيَّتَهَا (قَوْلُهُ: لَا يَهْدِمَانِهِ) أَيْ: لَا يُلْغِيَانِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الزَّوْجَةَ تَحْرِيمًا يَحُوجُ إلَى مُحَلِّلٍ ثُمَّ عَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ انْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ بَقَاءِ الطَّلَاقِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ لِمَ تَقُولُونَ: إنَّ الزَّوْجَةَ تَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ؟ مَعَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّدَ وَقَدْ كَانَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ وَوُجِدَتْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فَهَذَا تَنَافٍ، فَكَانَ الْقِيَاسُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ الْعَقْدَيْنِ فِي حُكْمِ عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَعُودُ بِالثَّلَاثِ

(قَوْلُهُ: فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَمِثْلُ الْمَرَضِ كُلُّ حَالَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّبَرُّعُ مِنْ الثُّلُثِ زي. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَارَثَانِ) اُنْظُرْ مَا حِكْمَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا مَعَ أَنَّ مَحَلَّهَا كِتَابُ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ: فِي عُدْته) أَيْ: خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. أَيْ: إذَا كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَصُولِحَتْ عَنْ رُبُعِ الثَّمَنِ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا قِيلَ: دَنَانِيرُ وَقِيلَ: دَرَاهِمُ زي

. (قَوْلُهُ: قَصْدُ لَفْظِ طَلَاقٍ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: قَصْدُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ طَلَاقٍ فِي مَعْنَاهُ، فَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَمَعْنَاهُ حِلُّ الْعِصْمَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ وُجِدَ صَارِفٌ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْقَصْدُ أَنْ يَقْصِدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ الْأَرْكَانِ الْقَصْدُ الْمَذْكُورُ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ ذَكَرَهُ ح ل، فَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ اتِّحَادُ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَقَعُ مِمَّنْ طَلَبَ إلَخْ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ حِينَئِذٍ حِلَّ الْعِصْمَةِ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ فِي مَعْنَاهُ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، فَلَوْ كُنَّ جَمِيعًا نِسَاءَهُ، فَالظَّاهِرُ الْوُقُوعُ، وَكَوْنُهُنَّ كُلُّهُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فِي ظَنِّهِ لَا يُعَدُّ صَارِفًا ح ل، وَانْظُرْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ شَيْءٍ شَوْبَرِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ وَمِثْلُهُ لَوْ عَلِمَ بِهَا م ر ع ش. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْإِمَامِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا عَلِمَ بِهَا أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ م ر. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُ) لِلرَّدِّ قَالَ ح ل: حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ قَصَدَ مَعْنَاهُ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ لَا عِبْرَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>