للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاللِّعَانُ لُغَةً: مَصْدَرُ لَاعَنَ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ جَمْعًا لِلَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَشَرْعًا: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي وَسُمِّيَتْ لِعَانًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كَلِمَةِ اللَّعْنِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَبْعُدُ عَنْ الْآخَرِ بِهَا إذْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] الْآيَاتِ وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ (صَرِيحُهُ) أَيْ صَرِيحُ الْقَذْفِ وَهُوَ مَا اشْتَهَرَ فِيهِ (كَزَنَيْتَ) وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجَبَلِ (وَيَا زَانِي وَيَا زَانِيَةُ وَزَنَى ذَكَرُك أَوْ فَرْجُك) أَوْ بَدَنُك وَإِنْ كَسَرَ التَّاءَ وَالْكَافَ فِي خِطَابِ الرَّجُلِ أَوْ فَتَحَهُمَا فِي خِطَابِ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ لِلرَّجُلِ يَا زَانِيَةُ وَلِلْمَرْأَةِ يَا زَانِي؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ فِي ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْفَهْمَ وَلَا يَدْفَعُ الْعَارَ (وَكَرَمْيٍ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ) أَوْ قَدْرِهَا مِنْ فَاقِدِهَا (بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ) بِأَنْ وُصِفَ الْإِيلَاجُ فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ (أَوْ) بِإِيلَاجِ ذَلِكَ (بِدُبُرٍ) فَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْأَوَّلَ بِتَحْرِيمٍ، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لِصِدْقِهِ بِالْحَلَالِ بِخِلَافِ الثَّانِي سَوَاءٌ أَخُوطِبَ بِذَلِكَ رَجُلٌ أَمْ امْرَأَةٌ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ: أَوْلَجْت فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ أُولِجَ فِي دُبُرِك وَلَهَا أُولِجَ فِي فَرْجِك الْمُحَرَّمِ أَوْ دُبُرِك فَإِنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ زِنًا كَأَنْ قَالَ: أَرَدْت إيلَاجَهُ فِي فَرْجِ حَلِيلَتِهِ الْحَائِضِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَتَعَايَرَانِ أَيْ: يَتَعَايَبَانِ. (قَوْلُهُ لُغَةً مَصْدَرُ لَاعَنَ) أَيْ: مَدْلُولُهُ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ اسْمٌ لِلَّفْظِ وَلَيْسَ مَعْنًى لُغَوِيًّا. (قَوْلُهُ: جَمْعًا لِلَعْنٍ) كَكَعْبٍ وَكِعَابٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا

(قَوْلُهُ: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ) وَجُعِلَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً لِعُسْرِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا أَوْ صِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ اهـ. م ر وَلَيْسَ لَنَا يَمِينٌ يَتَعَدَّدُ إلَّا هُنَا وَفِي الْقَسَامَةِ اهـ. سم وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ الْجُمَلُ مَجَازًا فَعَبَّرَ بِالْبَعْضِ وَأَرَادَ الْكُلَّ (قَوْلُهُ: حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ) بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ دَافِعَةٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمُضْطَرِّ ع ش عَلَى م ر أَيْ: شَأْنُهُ الِاضْطِرَارُ إلَى تِلْكَ الْأَيْمَانِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَيِّنَةٌ ح ل (قَوْلُهُ: إلَى قَذْفِ مَنْ) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ مُضْطَرًّا إلَى الْقَذْفِ وَإِنَّمَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى دَفْعِ الْحَدِّ عَنْهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ تَقْدِيرُهُ إلَى دَفْعِ مُوجَبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ وَقَوْلُهُ: إلَى قَذْفِ مَنْ أَيْ زَوْجَةٍ لَطَّخَ أَيْ: تِلْكَ الزَّوْجَةُ وَذُكِّرَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: فِرَاشَهُ أَيْ: الْمُضْطَرِّ وَالْفِرَاشُ هُوَ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا فِرَاشُ زَوْجِهَا فَالْمَعْنَى إلَى قَذْفِ زَوْجَةٍ لَطَّخَتْ نَفْسَهَا وَقَوْلُهُ وَأُلْحِقَ أَيْ: مَنْ وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ بِالْمُضْطَرِّ فَهُوَ عَطْفُ مُسَبَّبٍ وَقِيلَ تَفْسِيرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى كَلِمَةِ اللَّعْنِ) وَخَصَّهُ بِذَلِكَ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَالشَّهَادَةِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا لِغَرَابَتِهِ فِي الْحُجَجِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْأَيْمَانِ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَشْتَهِرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرِيبِ وَعَلَيْهِ جَاءَتْ أَسْمَاءُ السُّوَرِ اهـ. ح ل وَلِأَنَّ الْغَضَبَ يَقَعُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَجَانِبُ الرَّجُلِ أَقْوَى وَلِأَنَّ لِعَانَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى لِعَانِهَا فِي الْآيَةِ وَالْوَاقِعِ وَقَدْ يَنْفَكُّ عَنْ لِعَانِهَا شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: كُلًّا مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَبْعُدُ عَنْ الْآخَرِ) أَيْ: وَاللِّعَانُ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الْبُعْدِ.

(قَوْلُهُ: ذَكَرْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ) وَهُوَ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّرُ ذَلِكَ فَقَالَ هِلَالٌ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ» . (قَوْلُهُ مَا اشْتَهَرَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا أَنَّهُ يُلَاحَظُ فِي التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَيَا زَانِيَةُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا لَهَا فَلَا يَكُونُ قَذْفًا إلَّا بِنِيَّتِهِ كَمَا سَبَقَ فِي نِدَاءِ مَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا قَحْبَةُ أَوْ لِرَجُلٍ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا عِلْقُ فَصَرِيحٌ لِلْعُرْفِ. اهـ. ز ي مُلَخَّصًا وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر أَنَّ يَا عِلْقُ كِنَايَةٌ اهـ. لِأَنَّ الْعِلْقَ مَعْنَاهُ لُغَةً الشَّيْءُ النَّفِيسُ وَاللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ ع ش عَلَى م ر لَكِنْ يُعَزَّرُ إنْ لَمْ يُرِدْ الْقَذْفَ كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ م ر وَيَا عَاهِرُ صَرِيحَةٌ لِأَنَّ الْعَهْرَ الزِّنَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» اهـ. سم قَالَ م ر وَمَا يُقَالُ بَيْنَ الْجَهَلَةِ بَلَّاعُ الزُّبِّ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ صَرِيحًا فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا لِاحْتِمَالِ بَلْعِهِ بِالْفَمِ س ل وَع ن قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا كِنَايَةً شَوْبَرِيٌّ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ وَيَا لَائِطُ صَرِيحٌ بِخِلَافِ يَا لُوطِيُّ فَكِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ كَوْنِهِ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ وَكَذَا الْأَلْفَاظُ الشَّنِيعَةُ الْمَشْهُورَةُ بَيْنَ النَّاسِ كَعَرْصٍ وَسُوسٍ وَطِنْجِيرٍ وَمَأْبُونٍ وَكَخَنٍّ وَأَنْتَ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ م ر.

(قَوْلُهُ: بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ) أَيْ: لِذَاتِهِ فَلَا يَصْدُقُ بِالْإِيلَاجِ فِي فَرْجِ حَائِضٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِعَارِضٍ قَالَ ح ل وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يُضِيفَ إلَى وَصْفِهِ بِالتَّحْرِيمِ مَا يَقْتَضِي الزِّنَا بِأَنْ يَقُولَ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ أَوْ الْمَحَلِّ لِإِخْرَاجِ وَطْءِ الْمُحَرَّمِ الْمَمْلُوكِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ وَصَفَ الْإِيلَاجَ) يَقْتَضِي أَنَّ مُحَرَّمًا فِي الْمَتْنِ صِفَةٌ لِلْإِيلَاجِ وَقَوْلُهُ: بَعْدُ أَوْ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ صِفَةٌ لِفَرْجٍ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى صِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ دُبُرٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ صِدْقِهِ بِالْإِيلَاجِ فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا عَلَى الْقَاذِفِ وَلَا عَلَى الْفَاعِلِ وَهَلْ هُوَ زِنًا أَوْ لَا اهـ؟ سم الظَّاهِرُ لَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَعَنْ دُبُرِ حَلِيلَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ زِنًا فَمِنْ ثَمَّ قَالَ م ر لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ اللِّوَاطِ إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ خَلِيًّا فَيَكُونُ قَذْفًا مُطْلَقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>