للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَكِنَايَةٌ) فِي قَذْفِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ إثْبَاتَ الزِّنَا فَتَكُونُ فِي الْأُولَى مُقِرَّةً بِهِ وَقَاذِفَةً لِلزَّوْجِ وَيَسْقُطُ بِإِقْرَارِهَا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَيُعَزَّرُ، وَتَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ قَاذِفَةً فَقَطْ وَالْمَعْنَى أَنْتَ زَانٍ وَزِنَاك أَكْثَرُ مِمَّا نَسَبْتنِي إلَيْهِ، وَأَنْ تُرِيدَ نَفْيَ الزِّنَا أَيْ لَمْ يَطَأْنِي غَيْرُكَ وَوَطْؤُكَ بِنِكَاحٍ فَإِنْ كُنْتُ زَانِيَةً فَأَنْتَ زَانٍ أَيْضًا أَوْ أَزَنَى مِنِّي فَلَا تَكُونُ قَاذِفَةً وَتُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهَا ذَلِكَ بِيَمِينِهَا.

(أَوْ) قَالَتْ جَوَابًا أَوْ ابْتِدَاءً (زَنَيْتُ وَأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ) بِالزِّنَا (وَقَاذِفَةٌ) لَهُ وَيَسْقُطُ بِإِقْرَارِهَا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ.

(وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا حُدَّ) لِآيَةِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] (أَوْ غَيْرَهُ عُزِّرَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَقْذُوفُ فِيهِمَا زَوْجَةً أَمْ لَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطِهِ فِي بَابِهِ، وَبَيَانُ التَّعْزِيرِ فِي آخِرِ الْأَشْرِبَةِ.

(وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ) وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ (حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ زِنًا وَوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ) لَهُ (وَ) وَطْءِ (دُبُرِ حَلِيلَةٍ) لَهُ بِأَنْ لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا غَيْرَ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ مَنْ زَنَى أَوْ وَطِئَ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوْ مَحْرَمًا مَمْلُوكَةً لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْعِفَّةَ لَا تَبْطُلُ بِوَطْئِهِ زَوْجَتَهُ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ أَوْ الْمُعْتَدَّةَ أَوْ أَمَةَ وَلَدِهِ أَوْ مَنْكُوحَةً بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ وَلِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِأَقْسَامِهِمَا وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْبَاقِي حَيْثُ حَصَلَ عُلُوقٌ بِذَلِكَ الْوَطْءِ وَقَوْلِي: وَدُبُرِ حَلِيلَةٍ مِنْ زِيَادَتِي (فَإِنْ فَعَلَ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ وَطِئَ وَطْئًا يُسْقِطُ الْعِفَّةَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَ حَالُهُ، وَ (لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِذَلِكَ لَمْ تَنْسَدَّ ثُلْمَتُهُ سَوَاءٌ أَقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا مَثَلًا أُمّ بِزِنًا آخَرَ أَمْ أَطْلَقَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّفْصِيلُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا أَمَّا لَوْ شَرَطْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا شَوْبَرِيُّ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ) لَيْسَ هَذَا بِمُتَعَيِّنٍ إذْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تُرِيدَ أَنَّهَا هِيَ الزَّانِيَةُ دُونَ عَكْسِهِ وَقَدْ خَصَّصَ الشَّارِحُ هَذَا الْعَكْسَ بِالثَّانِيَةِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ بَلْ الِاحْتِمَالَاتُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى الْأَوَّلُ يَكُونُ جَارِيًا فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِصَنِيعِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: إثْبَاتَ الزِّنَا) أَيْ: لَهَا وَلَهُ قَبْلَ نِكَاحِهِ لَهَا (قَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ) اُنْظُرْ وَجْهَ تَعْزِيرِهِ مَعَ أَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا (قَوْلُهُ: قَاذِفَةً فَقَطْ) أَيْ: لَا مُقِرَّةً كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَزْنَى لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِالزِّنَا ضِمْنِيٌّ وَهُوَ لَا يَكْفِي عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا أَزَنَى مِنِّي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُجَارَاةً لَهُ فَقَطْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: مِمَّا نَسَبَتْنِي إلَيْهِ.

. (قَوْلُهُ: أَوْ أَزَنَى مِنِّي) ؛ لِأَنَّهُ يَطَؤُهَا فِي حَالَةِ الْجُنُونِ وَالنَّوْمِ وَهِيَ حِينَئِذٍ غَيْرُ زَانِيَةٍ وَأَيْضًا جَرِيمَةُ الْفَاعِلِ أَشَدُّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْطُوءَ فِي الدُّبُرِ إذَا كَانَ مُحْصَنًا لَا يُرْجَمُ بِخِلَافِ الْفَاعِلِ.

. (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا حُدَّ) قَالَ م ر وَلَوْ قَذَفَهُ أَوْ قَذَفَ مُورِثَهُ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فِي الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ زِنَا مُورِثِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

. (قَوْلُهُ: حُرٌّ مُسْلِمٌ) وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَافِرُ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ لَهُ، وَلَا يَرِدُ قَذْفُ مُرْتَدٍّ وَمَجْنُونٍ وَقِنٍّ بِزِنًا أَضَافَهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَوْ حُرِّيَّتِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بَعْدَ أَسْرِهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ لِأَنَّ سَبَبَ حَدِّهِ إضَافَتُهُ الزِّنَا إلَى حَالَةِ الْكَمَالِ شَرْحُ م ر وَهَذَا التَّعْرِيفُ ظَاهِرٌ فِي الْمُحْصَنِ الذَّكَرِ وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْعِفَّةِ فِي الْأُنْثَى فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْمُحْصَنِ غَيْرُ شَامِلٍ لَهَا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْأُنْثَى (قَوْلُهُ: وَوَطْءِ مَحْرَمٍ إلَخْ) عَطْفُهُ عَلَى الزِّنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ زِنًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ أَوْ رَضَاعٍ) أَيْ: أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَمَا فِي م ر. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ) أَيْ: لِأَنَّ قَاذِفَهُ صَادِقٌ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْهُ) وَمِنْهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَسْتَقْبِحُهُ النُّفُوسُ أَكْثَرَ مِنْ الزِّنَا لَا أَنَّهُ إثْمُهُ أَكْبَرُ ح ل أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْحَشُ طَبْعًا وَعُرْفًا وَإِنْ كَانَ الزِّنَا أَفْحَشَ شَرْعًا. (قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ) أَيْ بِتَعْرِيفِ الْمُحْصَنِ بِمَا ذَكَرَ ع ش، وَالْأَنْسَبُ رُجُوعُ سم الْإِشَارَةَ لِقَوْلِهِ عَفِيفٌ إلَخْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حَرَامًا) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ مَا ذَكَرَ أَيْ: الزِّنَا وَوَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا وَوَطْءِ مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَلِقِيَامِ الْمِلْكِ) أَيْ: مِلْكِ النِّكَاحِ فِي الْأُولَى وَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الثَّانِيَةِ ح ل. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا) أَيْ: وَلَوْ بَعْدَ الْقَذْفِ وَقَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْفَرْقِ ح ل أَيْ: وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ م ر. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا صَدَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَوَطْءِ مَمْلُوكَتِهِ الْمَحْرَمِ وَوَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْحَدَّ مِنْ قَاذِفِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَالِكًا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِبْصَارِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا لِأَنَّ الزِّنَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُهْتَكُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ وَرِعَايَتُهَا هُنَا لَا يُلْحَقُ بِهَا مَا لَوْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِ ثُمَّ زَنَى فَوْرًا حَيْثُ لَمْ يَنْقَضِ الْحُكْمُ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ زِنَاهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ مِنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِرْضَ) هُوَ مَحِلُّ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ وَيُطْلَقُ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْحَسَبِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ اهـ. شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: لَمْ تَنْسَدَّ ثُلْمَتُهُ) أَيْ: خَلَلُهُ اُعْتُرِضَ بِحَدِيثِ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>