وَلَا بِلَبَنِ جِنِّيَّةٍ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تِلْوُ النَّسَبِ، وَاَللَّهُ قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهَذَا لَا يَخْرُجُ بِتَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِامْرَأَةٍ وَلَا بِلَبَنِ مَنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَيِّتَةِ وَلَا بِلَبَنِ مَيِّتَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ، وَلَا بِلَبَنِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ حَيْضٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْوِلَادَةَ، وَاللَّبَنُ الْمُحَرِّمُ فَرْعُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَتْهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ، وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ.
(وَ) شُرِطَ (فِي الرَّضِيعِ كَوْنُهُ حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَلَا أَثَرَ لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِ غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّغَذِّي (وَ) كَوْنُهُ (لَمْ يَبْلُغْ حَوْلَيْنِ) فِي ابْتِدَاءِ الْخَامِسَةِ وَإِنْ بَلَغَهُمَا فِي أَثْنَائِهَا (يَقِينًا) فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ بَعْدَهُمَا، وَلَا مَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ لِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ وَلِآيَةِ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] ، وَلِلشَّكِّ فِي سَبَبِ التَّحْرِيمِ فِي صُورَةِ الشَّكِّ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُهُ فِي قِصَّةِ سَالِمٍ فَمَخْصُوصٌ بِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَلَا بِلَبَنِ جِنِّيَّةٍ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحِلُّ فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْجِنِّيَّةِ ح ل، وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ لِهَذَا مَعَ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْجِنِّيَّةِ عِنْدَ الشَّارِحِ إذْ لَوْ قُلْنَا إنَّ لَبَنَ الْجِنِّيَّةِ يُؤَثِّرُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا حَاصِلٌ قَبْلَ الرَّضَاعِ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِيمَا لَوْ ارْتَضَعَ عَلَيْهَا ذَكَرٌ، وَأُنْثَى فَعِنْدَ غَيْرِهِ يَحْرُمُ، وَعِنْدَهُ لَا. (قَوْلُهُ: تِلْوُ النَّسَبِ) أَيْ: تَابِعٌ لَهُ، وَقَوْلُهُ، وَاَللَّهُ قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ أَيْ: بِقَوْلِهِ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: ٧٢] . ا. هـ ع ن، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ النَّسَبِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا بِأَعْظَمِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مَسُوقَةٌ فِي كَمَالِ الِامْتِنَانِ مِنْ اللَّهِ حَيْثُ جَعَلَ لَنَا أَزْوَاجًا، وَكَوْنُهُنَّ مِنْ جِنْسِنَا. (قَوْلُهُ:، وَهَذَا لَا يَخْرُجُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْجِنِّيَّةِ امْرَأَةٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ النَّقِيبِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا امْرَأَةٌ حَيْثُ قَالَ: عَدَلَ الْمِنْهَاجُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ أُنْثَى إلَى امْرَأَةٍ لِيُخْرِجَ الْجِنِّيَّةَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَاسْمٌ لِلْإِنَاثِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ وَكَذَا الرِّجَالُ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ} [الجن: ٦] إلَخْ لِلْمُقَابَلَةِ ح ل (قَوْلُهُ: مَنْ انْتَهَتْ إلَخْ) أَيْ: بِجِنَايَةٍ لَا مَرَضٍ ح ل بِخِلَافِ لَبَنِ غَيْرِهَا، وَهِيَ مَنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَإِنْ وَصَلَتْ إلَى الْحَرَكَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعِيشُ مَعَهُ بِخِلَافِ تِلْكَ.
ا. هـ سم، وَهُوَ قِيَاسُ مَا فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِجِنَايَةٍ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ، وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهَا بِمَرَضٍ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ لَكِنْ قَضِيَّةُ قَوْلِ م ر فِي شَرْحِهِ لِانْتِفَاءِ التَّغَذِّي أَنَّ الْمُدْرَكَ هُنَا غَيْرُهُ ثَمَّ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ع ش (قَوْلُهُ: وَلَا بِلَبَنِ مَيِّتَةٍ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. ز ي (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُثَّةٍ إلَخْ) ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُهُمْ: اللَّبَنُ لَا يَمُوتُ فَلَا عِبْرَةَ بِظَرْفِهِ كَلَبَنِ امْرَأَةٍ حَيَّةٍ فِي سِقَاءٍ نَجِسٍ اهـ م ر أَيْ:؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَهُمْ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ: مُنْفَكَّةً عَنْ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ) كَأَنَّ الْمُرَادَ الْحِلُّ لَهَا، وَالْحُرْمَةُ عَلَيْهَا أَيْ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِلُّ شَيْءٍ، وَلَا حُرْمَتُهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ صَلَاحِيَةِ الْخِطَابِ كَالْبَهِيمَةِ. س ل، وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: مُنْفَكَّةً عَنْ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ أَيْ: صَارَتْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ عَوْدُ التَّكْلِيفِ إلَيْهَا عَادَةً فَلَا تَرِدُ الْمَجْنُونَةُ، وَلَا تَرِدُ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ كَمَا تُمْنَعُ الْبَالِغَةُ، وَيُؤْذَنُ لَهَا فِي فِعْلِ غَيْرِهِ فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمُكَلَّفَةِ بَلْ تُؤْمَرُ وُجُوبًا بِالْعِبَادَاتِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِهِ.
ا. هـ ع ش عَلَى م ر، وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ. اهـ (قَوْلُهُ: فَرْعَهَا) أَيْ: أَثَرَهَا أَيْ: أَثَرَ احْتِمَالِ الْوِلَادَةِ ح ل (قَوْلُهُ: فَاكْتَفَى فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ) أَيْ: فَكَمَا أَنَّ وَلَدَ النَّسَبِ يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ فَكَذَا التَّابِعُ لَهُ
(قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ إلَخْ) ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يُؤَثِّرُ لَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَلِيُّهُ زَوَّجَهُ بِنْتًا يَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ التَّزَوُّجُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَعَلَى عَدَمِ التَّأَثُّرِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ زَوَّجَهُ الْمُرْضِعَةَ، وَقُلْنَا يُؤَثِّرُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ، وَلَا تَرِثُهُ، وَعَلَى عَدَمِ التَّأَثُّرِ لَا يَنْفَسِخُ، وَتَرِثُهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا رَضَاعُهُ يُؤَثِّرُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَنْتَشِرُ إلَّا إلَى فُرُوعِهِ، وَلَا فُرُوعَ لَهُ. (قَوْلُهُ: يَقِينًا) مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ أَيْ: يُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ الْبُلُوغِ تَيَقُّنُهُ فَيَخْرُجُ مَا إذَا تَيَقَّنَ الْبُلُوغَ، وَمَا إذَا شَكَّ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ) أَيْ: وَصَلَ إلَيْهَا فَخَرَجَ مَا إذَا تقايأه قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَلَا يَحْرُمُ، وَقَوْلُهُ، وَلِخَبَرِ لَا رَضَاعَ إلَخْ يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلُهُ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِكَثْرَةِ مُخْرِجِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ، وَغَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَالْأَوَّلُ لَا يَشْمَلُ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ لِلتَّقْيِيدِ فِيهِ بِكَوْنِهِ فَتَقَ الْأَمْعَاءَ.
ا. هـ ع ش. قَوْلُهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: ٢٣٣] إلَخْ أَيْ: فَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مُدَّةَ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُحَرِّمُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّضِيعُ دُونَ الْحَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَا يُقَالُ لَهُ إرْضَاعٌ شَرْعًا كَانَ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي التَّحْرِيمِ تَدَبَّرْ. (فَرْعٌ) .
قَالَ فِي ع ب فَلَوْ حَكَمَ قَاضٍ بِثُبُوتِ الرَّضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ نُقِضَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِتَحْرِيمِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْخَمْسِ فَلَا نَقْضَ. ا. هـ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ مَا دُونَ الْخَمْسِ. ا. هـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: مِمَّا يُخَالِفُهُ) أَيْ: حَيْثُ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوْجَةَ سَيِّدِهِ أَيْ: سَيِّدِ سَالِمٍ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهِيَ سَهْلَةُ بِنْتُ سَهْلٍ كَمَا