للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِآيَةِ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] وَاعْتَبَرُوا النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ، وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ، وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ، وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى فِي الْحَجِّ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ فِيهَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالظِّهَارِ، وَوِقَاعِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلَّ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرُ كِفَايَةُ الْمَرْأَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّهَا أَيَّامَ مَرَضِهَا وَشِبَعِهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ بِفَجْرِ الْيَوْمِ لِلْحَاجَةِ إلَى طَحْنِهِ، وَعَجْنِهِ، وَخَبْزِهِ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْمَحَلِّ) لِلزَّوْجَةِ مِنْ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ، أَوْ أَقِطٍ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَتَعْبِيرِي هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمَحَلِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْبَلَدِ.

(فَإِنْ اخْتَلَفَ) غَالِبُ قُوتِ الْمَحَلِّ، أَوْ قُوتُهُ وَلَا غَالِبَ (فَلَائِقٌ بِهِ) أَيْ: بِالزَّوْجِ يَجِبُ، وَلَا عِبْرَةَ بِاقْتِيَاتِهِ أَقَلَّ مِنْهُ تَزَهُّدًا أَوْ بُخْلًا. (وَالْمُدُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ، وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ رَطْلِ بَغْدَادَ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ النَّابِتِ.

(وَعَلَيْهِ دَفْعُ حَبٍّ) سَلِيمٍ إنْ كَانَ وَاجِبَهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَفْعًا كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ فَلَا يَكْفِي غَيْرُهُ كَدَقِيقٍ وَخُبْزٍ، وَمُسَوِّسٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ لَهُ الْحَبُّ، فَلَوْ طَلَبَتْ غَيْرَ الْحَبِّ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَوْ بَذَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ.

(وَ) عَلَيْهِ (طَحْنُهُ وَعَجْنُهُ وَخَبْزُهُ) وَإِنْ اعْتَادَتْهَا بِنَفْسِهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَفَارَقَ ذَلِكَ نَظِيرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ الزَّوْجَةَ فِي حَبْسِهِ، وَذِكْرُ الْعَجْنِ مِنْ زِيَادَتِي.

(وَلَهَا اعْتِيَاضٌ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى الْعُمُرِ الْغَالِبِ، أَوْ سَنَةً مُدَّيْنِ ح ل.

(قَوْلُهُ:، وَاحْتَجُّوا) أَيْ: الْأَصْحَابُ، وَوَجْهُ التَّبَرِّي أَنَّ هَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّفَاوُتِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ح ل. (قَوْلُهُ:، وَاعْتَبَرُوا النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ اعْتَبَرُوا أَيْ: قَاسُوا وَتَبْرَأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُفِيدُ إلَّا صُورَتَيْنِ، وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَلَا يُفِيدُهُ الْقِيَاسُ. (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَهُمَا) ، وَهُوَ نِصْفُ مَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ كِفَايَةُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) نَعَمْ ظَاهِرُ خَبَرِ هِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيك، وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِيهِ. وَقَدْ يُجَابُ عَلَى الْخَبَرِ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهَا فِيهِ بِالْكِفَايَةِ فَقَطْ بَلْ بِهَا بِحَسَبِ الْمَعْرُوفِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْعُقُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ فَتَحَ بَابَ الْكِفَايَةِ لِلنِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لَوَقَعَ التَّنَازُعُ لَا إلَى غَايَةٍ فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا لِلَّائِقِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالشَّاهِدُ لَهُ تَصَرُّفُ الشَّارِعِ كَمَا تَقَرَّرَ فَاتَّضَحَ مَا قَالُوهُ، وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَلَفًا فِي التَّقْدِيرِ بِالْأَمْدَادِ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْت الصَّوَابُ إنَّهَا بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: الْكِفَايَةِ تَأَسِّيًا، وَاتِّبَاعًا. ا. هـ. حَجّ ز ي، وَقَوْلُهُ لَوَقَعَ التَّنَازُعُ قَدْ يُقَالُ لَوْ نَظَرَ لِهَذَا لَنَظَرَ إلَيْهِ فِي جَانِبِ الْقَرِيبِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ ثَمَّ لَا هُنَا لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى مُعْتَبَرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُعَاوَضَةٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ يُحْتَرَزُ فِيهَا عَنْ النِّزَاعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.

ا. هـ سم (قَوْلُهُ: كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْمَحَلِّ) أَيْ: فِي كُلِّ يَوْمٍ ع ش، وَعِبَارَةُ ح ل أَيْ: مَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ غَالِبَ الْأَوْقَاتِ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ غَالِبًا لِيَاقَتُهُ بِالزَّوْجِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ لَائِقًا بِهِ كَمَا فَعَلَ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَائِقًا بِهِ تَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْمَحَلِّ أَيْ:، وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهَا، وَلَا أَلِفَتْهُ إذْ لَهَا إبْدَالُهُ. ا. هـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَلَائِقٌ بِهِ) أَيْ: بِحَسَبِ يَسَارِهِ، وَضِدِّهِ ز ي (قَوْلُهُ: تَزَهُّدًا) أَيْ: مُتَكَلِّفَ الزُّهْدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الزَّاهِدَ حَقِيقَةً يُعْتَبَرُ حَالُهُ لَا مَا يَلِيقُ بِهِ تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ) دَلِيلٌ لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ (قَوْلُهُ:، وَعَلَيْهِ طَحْنُهُ إلَخْ) حَتَّى لَوْ بَاعَتْهُ، أَوْ أَكَلَتْهُ حَبًّا اسْتَحَقَّتْ مُؤَنَ ذَلِكَ أَيْ: أُجْرَةَ الطَّحْنِ، وَمَا بَعْدَهُ إذْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ تَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَلَمْ تَسْقُطْ بِمَا فَعَلَتْهُ شَرْحُ م ر وز ي. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَادَتْهَا إلَخْ) (فَرْعٌ) .

وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إعْلَامُ زَوْجَتِهِ بِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا خِدْمَتُهُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الطَّبْخِ، وَالْكَنْسِ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ أَمْ لَا؟ ، وَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ ظَنَّتْ أَنَّهُ، وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً إنْ لَمْ تَفْعَلْهُ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَى الْفِعْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَتْهُ، وَلَمْ يُعْلِمْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا أُجْرَةٌ عَلَى الْفِعْلِ لِتَقْصِيرِهَا بِعَدَمِ الْبَحْثِ، وَالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ. ا. هـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ إلَخْ) غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّ هَذِهِ لَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ. (قَوْلُهُ:، وَلَهَا اعْتِيَاضٌ) أَيْ: بِصِيغَةٍ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَزِمَ الذِّمَّةَ، وَاسْتَقَرَّ فِيهَا كَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الْيَوْمِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا لِاحْتِمَالِ سُقُوطِهَا بِالنُّشُوزِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ شَيْخِنَا جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ خِلَافَ ظَاهِرِ السِّيَاقِ، وَيَكُونُ فِي النَّفَقَةِ الْحَاضِرَةِ تَفْصِيلٌ، وَمَا فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يَرُدُّ نَقْضًا ح ل قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبَابِلِيُّ:، وَالْحَاصِلُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>