بِطَلَبٍ مِنْ الْمَالِكِ (يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ عَادَ) بَعْدَ قَطْعِهِمَا ثَانِيًا (فَعَكْسُهُ) أَيْ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ وَالْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ، وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ (أَوْ بِقَتْلٍ) لِمَعْصُومٍ يُكَافِئُهُ عَمْدًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قُتِلَ حَتْمًا) لِلْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةَ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ هُنَا إلَّا تَحَتُّمُ الْقَتْلِ فَلَا يَسْقُطُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَمَحَلُّ تَحَتُّمِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا تَحَتُّمَ (أَوْ) بِقَتْلِهِ عَمْدًا (وَأَخْذِ نِصَابٍ) بِلَا شُبْهَةٍ مِنْ حِرْزٍ (قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ) بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (ثَلَاثَةٌ) مِنْ الْأَيَّامِ (حَتْمًا) زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ لِزِيَادَةِ الْجَرِيمَةِ فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُصْلَبُ إذْ بِالْمَوْتِ سَقَطَ الْقَتْلُ فَسَقَطَ تَابِعُهُ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصْلَبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: ١٣٥] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى وَتَقْيِيدِي بِالنِّصَابِ مَعَ قَوْلِي حَتْمًا مِنْ زِيَادَتِي (ثُمَّ) بَعْدَ الثَّلَاثَةِ (يَنْزِلُ) مِنْ مَحَلِّ الصَّلْبِ (فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ) حِينَئِذٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمَحَلِّ مُحَارَبَتِهِ إذَا شَاهَدَهُ مَنْ يَنْزَجِرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ بِمَفَازَةٍ فَفِي أَقْرَبِ مَحَلٍّ إلَيْهَا بِهَذَا الشَّرْطِ
(وَالْمُغَلَّبُ فِي قَتْلِهِ مَعْنَى الْقَوَدِ) لَا الْحَدِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ آدَمِيٍّ تَغْلِيبُ حَقِّ الْآدَمِيِّ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّضْيِيقِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَوْ اسْتَغَاثَ لَمْ يَكُونُوا قُطَّاعًا؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ إذْ الْقُوَّةُ أَوْ الْقُدْرَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحِرْزِ غَيْرُهَا بِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خُصُوصِ الشَّوْكَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بِخِلَافِ الْحِرْزِ يَكْفِي فِيهِ مُبَالَاةُ السَّارِقِ بِهِ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْ السَّارِقُ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِهَا الْمَارَّةِ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بِطَلَبٍ) أَيْ لِلْمَالِ (قَوْلُهُ: يَدُهُ الْيُمْنَى إلَخْ) وَلَوْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَوْ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ وَلَوْ لِشَلَلِهَا وَعَدَمِ أَمْنِ نَزْفِ الدَّمِ اكْتَفَى بِالْأُخْرَى وَلَوْ عَكَسَ ذَلِكَ بِأَنْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا فَدِيَتُهَا، وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانَ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ) فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا بِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) وَهُوَ أَنْ لَا يُفَوِّتَ عَلَيْهِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ ح ل.
(قَوْلُهُ: لِلْمَالِ) وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ) الْحَقُّ أَنَّهَا لِلْمَالِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ قَطْعُهَا وَلَوْ كَانَ لِلْمَالِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ ح ل (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَشْبَهُ) وَإِنَّمَا كَانَ أَشْبَهَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قُطِعَ فِي مُقَابَلَتِهِ الْيَدُ الْيُمْنَى فَلَوْ كَانَتْ الرِّجْلُ لِلْمَالِ أَيْضًا لَزِمَ أَنَّ قَطْعَ الْعُضْوَيْنِ لِلْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ إنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ لِلْمُحَارَبَةِ اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ) أَيْ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْقَوَدِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ) أَيْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ لَأَخْذِ الْمَالِ أَيْ وَلَمْ يَأْخُذْهُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ مَعَ الْقَتْلِ ع ش عَلَى م ر وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْأَخْذِ لِلْمَالِ كَافِيًا فِي تَحَتُّمِ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ صُلِبَ) أَيْ مُعْتَرِضًا عَلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ وَلَا يُقَدَّمُ الصَّلْبُ عَلَى الْقَتْلِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ وَقَدْ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ م ر وس ل (قَوْلُهُ: حَتْفَ أَنْفِهِ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ وَالْعَرَبُ تُضِيفُ الْمَوْتَ إلَى الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الرُّوحَ تَخْرُجُ مِنْهُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ حَيْثُ دَخَلَتْ وَهُوَ الْيَافُوخُ اهـ. ع ن وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْحَتْفَ هُوَ الْمَوْتُ يُقَالُ حَتَفَ يَحْتِفُ حَتْفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا مَاتَ أَيْ بِلَا سَبَبٍ فَيَكُونُ حَتْفَ أَنْفِهِ مَفْعُولًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: فَسَقَطَ تَابِعُهُ) مِثْلُهُ مَا لَوْ مَاتَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ كَقَوَدٍ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ) وَهَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا: تَوْقِيفٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ لُغَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تُرْجَمَانُ الْقُرْآنِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ شَرْحٌ م ر.
وَيُتَأَمَّلُ مَعْنَى التَّرْتِيبِ هُنَا فَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ فِي التُّحْفَةِ وَلَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ قَاعِدَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بُدِئَ فِي الْمَعْطُوفَاتِ بِأَوْ بِأَغْلَظِهَا كَانَتْ لِلتَّنْوِيعِ وَإِنْ بُدِئَ بِأَخَفِّهَا كَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْلِهِ) أَيْ كَمَا حُمِلَتْ كَلِمَةُ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ فِي قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغَيُّرِ هُنَا الِانْفِجَارُ وَنَحْوُهُ كَسُقُوطِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَإِلَّا فَمَتَى حُبِسَتْ جِيفَةُ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا حَصَلَ النَّتْنُ وَالتَّغَيُّرُ غَالِبًا شَرْحٌ م ر (قَوْلُهُ: وَيُقَامُ إلَخْ) أَيْ نَدْبًا م ر
(قَوْلُهُ: مَعْنَى الْقَوَدِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: تَغْلِيبُ حَقِّ الْآدَمِيِّ) قَدْ يَشْكُلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ تَقْدِيمًا لِحَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute