للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢] ، وَأَمَّا أَنَّهُ فُرِضَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَيْ: أَقَلُّ فَرْضِهِ ذَلِكَ فَكَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ كُلَّ عَامٍ، وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ لِلْكُفَّارِ مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ ذَلِكَ، أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْكُفْرِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ، وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي بَعْدِ الْهِجْرَةِ مَا قَبْلَهَا فَكَانَ الْجِهَادُ مَمْنُوعًا مِنْهُ، ثُمَّ بَعْدَهَا أُمِرَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ، ثُمَّ أُبِيحَ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مُطْلَقًا، وَشُمُولُ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْكُفَّارِ بِبِلَادِهِمْ لِعَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْلِي: كُلَّ عَامٍ مِنْ زِيَادَتِي.

وَشَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ (إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ) عَنْهُ وَعَنْ الْبَاقِينَ، وَفُرُوضُهَا كَثِيرَةٌ (كَقِيَامٍ بِحُجَجٍ الدِّينِ) وَهِيَ الْبَرَاهِينُ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَعَلَى إثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْمَعَادِ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢] عِبَارَةُ الْجَلَالِ فَلَوْلَا، فَهَلَّا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ أَيْ: قَبِيلَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وَمَكَثَ الْبَاقُونَ لِيَتَفَقَّهُوا أَيْ: الْمَاكِثُونَ فِي الدِّينِ {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢] مِنْ الْغَزْوِ بِتَعْلِيمِهِمْ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ عِقَابَ اللَّهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ اهـ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ " لِيَتَفَقَّهُوا " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرُ " مِنْ " التَّبْعِيضِيَّةِ قَالَ فِي الْخَازِنِ: وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَالَغَ فِي الْكَشْفِ عَنْ عُيُوبِ الْمُنَافِقِينَ وَفَضَحَهُمْ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاَللَّهِ لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ سَرِيَّةٍ بَعَثَهَا فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَبَعَثَ السَّرَايَا، نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا إلَى الْغَزْوِ وَتَرَكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ» ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَالْمَعْنَى مَا يَنْبَغِي، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْفِرُوا جَمِيعًا وَيَتْرُكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْقَسِمُوا قِسْمَيْنِ: طَائِفَةٌ تَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَطَائِفَةٌ تَنْفِرُ إلَى الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ كَانَتْ تَتَجَدَّدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَالْمَاكِثُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْفَظُونَ مَا تَجَدَّدَ، فَإِذَا قَدِمَ الْغُزَاةُ عَلَّمُوهُمْ مَا تَجَدَّدَ فِي غَيْبَتِهِمْ.

(قَوْلُهُ: كُلَّ عَامٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُخَلِّيهِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ السِّيَرِ؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ وَبَدْرٍ الصُّغْرَى، ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الْعَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ، كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُشْحِنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ) ؛ لِأَنَّهَا إذَا شُحِنَتْ بِمَا ذُكِرَ كَانَ فِيهِ إخْمَادٌ لِشَوْكَتِهِمْ، وَإِظْهَارٌ لِقَهْرِهِمْ؛ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الظَّفَرِ بِشَيْءٍ مِنَّا، وَالثُّغُورُ هِيَ مَحَالُّ الْخَوْفِ الَّتِي تَلِي بِلَادَهُمْ شَرْحُ م ر وَفِي الْمِصْبَاحِ شَحَنْتُ الْبَيْتَ وَغَيْرَهُ شَحْنًا مِنْ بَابِ نَفَعَ مَلَأْتُهُ (قَوْلُهُ: وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ) أَيْ: إلْزَامِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَتِّبَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ، شَرْحُ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِإِشْحَانِ الثُّغُورِ وَإِمَّا بِدُخُولِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قَالَ م ر: وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَكِنَّ شَيْخَنَا الْبُرُلُّسِيَّ رَدَّ ذَلِكَ وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ أَقَامَ فِيهِ الْبَرَاهِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ، وَعَرَضَهُ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ فَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ سم (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْجِهَادُ مَمْنُوعًا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَوَّلَ الْأَمْرِ هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأَلُّفًا لَهُمْ ز ي. وَعِبَارَةُ س ل قَوْلُهُمْ: مَمْنُوعًا مِنْهُ أَيْ: بِقَوْلِهِ {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٨٦] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أُبِيحَ أَيْ: فِي قَوْلِهِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] إلَخْ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مُطْلَقًا أَيْ: بِقَوْلِهِ {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] اهـ وَقَالَ م ر: ثُمَّ أُمِرَ بِهِ أَيْ: فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] .

(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَهَا أُمِرَ إلَخْ) أَيْ: بِقَوْلِهِ {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: ١٩٠] (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) الْمُرَادُ بِهَا الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ لَنَا لَكِنَّهُمْ أَبْدَلُوا رَجَبًا بِشَوَّالٍ كَانُوا تَعَاهَدُوا عَلَى عَدَمِ الْقِتَالِ فِيهَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ٢] شَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ ع ش مَعَ حَذْفٍ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطٍ، وَلَا زَمَانٍ شَرْحُ الرَّوْضِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ.

. (قَوْلُهُ: مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ) شَمَلَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَامَ بِهِ مُرَاهِقُونَ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ أَهْلِ الْفَرْضِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَسَقَطَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مَعَ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ وَالْأُنُوثَةِ، فَإِنْ تَرَكَهُ الْجَمِيعُ أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا خ ط س ل.

(قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْهُ) أَيْ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ قَوْلَهُ: سَقَطَ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ فَاعِلَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: سَقَطَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ الْكُلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ أَيْ: وَإِنْ خُوطِبَ بِهِ عَلَى جِهَةِ فَرْضِ الْعَيْنِ كَمَنْ تُوَجَّهُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَجُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِنَذْرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ؛ إذْ التَّعَيُّنُ لَا يُنَافِيهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْبَرَاهِينُ) أَيْ: التَّفْصِيلِيَّةُ وَأَمَّا الْبَرَاهِينُ الْإِجْمَالِيَّةُ فَفَرْضُ عَيْنٍ (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَعَادِ) أَيْ: الْجُثْمَانِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>