(وَبِحَلِّ مُشْكِلِهِ) وَدَفْعِ الشُّبَهِ (وَبِعُلُومِ الشَّرْعِ) مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ زَائِدٍ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْإِفْتَاءِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا (وَبِأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ) أَيْ: الْأَمْرِ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُحَرَّمَاتِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مَفْسَدَةً أَعْظَمَ مِنْ مَفْسَدَةِ الْمُنْكَرِ الْوَاقِعِ، وَلَا يُنْكِرُ إلَّا مَا يَرَى الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ (وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ كُلَّ عَامٍ) فَلَا يَكْفِي إحْيَاؤُهَا بِأَحَدِهِمَا وَلَا بِالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَكَانَ بِهِمَا إحْيَاؤُهَا، وَتَعْبِيرِي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْضَحُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالزِّيَارَةِ (وَدَفْعِ ضَرَرِ مَعْصُومٍ) مِنْ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَكِسْوَةِ عَارٍ وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُمَا بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ وَنَذْرٍ وَوَقْفٍ وَزَكَاةٍ وَبَيْتِ مَالٍ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ. وَتَعْبِيرِي بِالْمَعْصُومِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْمُسْلِمِينَ (وَمَا يَتِمُّ بِهِ الْمَعَاشُ) الَّذِي بِهِ قِوَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَحِرَاثَةٍ (وَرَدِّ سَلَامٍ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَبِالْمُثَلَّثَةِ نِسْبَةً إلَى الْجُثَّةِ، وَالْجِسْمَانِيُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِالسِّينِ نِسْبَةً إلَى الْجِسْمِ، وَكِلَاهُمَا نِسْبَةٌ غَيْرُ قِيَاسِيَّةٍ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِحَلِّ مُشْكِلِهِ) يَظْهَرُ أَنَّ الْمُشْكِلَ الْأَمْرُ الَّذِي يَخْفَى إدْرَاكُهُ لِدِقَّتِهِ. وَالشُّبْهَةُ الْأَمْرُ الْبَاطِلُ الَّذِي يَشْتَبِهُ بِالْحَقِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجَجِ غَيْرُ حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ، وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثَّانِي سم.
(قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) كَأُصُولِ فِقْهٍ وَنَحْوٍ وَصَرْفٍ وَلُغَةٍ ز ي (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ قَاضِيَيْنِ دُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَبَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَع ش؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لِلْقَاضِي أَكْثَرُ (قَوْلُهُ: وَالْإِفْتَاءُ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ الِاسْتِنْبَاطِ فَهُوَ مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ قَوَاعِدِ إمَامِهِ، فَهُوَ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ أَوْ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ الْمُطْلَقُ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ: وَعِرْضِهِ م ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَالِهِ) وَإِنْ قَلَّ م ر أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَيَحْرُمُ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى الْغَيْرِ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْكِرُ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر، وَلَا يُنْكِرُ الْعَالِمُ مُخْتَلَفًا فِيهِ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ فَاعِلِهِ اعْتِقَادُ تَحْرِيمِهِ لَهُ حَالَ ارْتِكَابِهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِحِلِّهِ، أَوْ أَنَّهُ جَاهِلٌ بِحُرْمَتِهِ، أَمَّا مَنْ ارْتَكَبَ مَا يَرَى إبَاحَتَهُ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ، فَلَا يَحِلُّ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَنَفِيَّ يُحَدُّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ أَيْ: يَحُدُّهُ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ، مَعَ أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ. أُجِيبُ بِأَنَّ أَدِلَّةَ حِلِّ النَّبِيذِ وَاهِيَةٌ س ل؛ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ بَعْدَ الرَّفْعِ بِعَقِيدَةِ الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ فَقَطْ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ) أَيْ: مِنْ جَمْعٍ يَحْصُلُ بِهِمْ الشِّعَارُ ح ل. (قَوْلُهُ: كُلَّ عَامٍ) .
(فَائِدَةٌ)
الْحُجَّاجُ فِي كُلِّ عَامٍ سَبْعُونَ أَلْفًا فَإِنْ نَقَصُوا كَمُلُوا مِنْ الْمَلَائِكَةِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَدَفْعِ ضَرَرِ مَعْصُومٍ) هَلْ الْمُرَادُ بِدَفْعِ ضَرَرِ مَنْ ذُكِرَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ أَمْ الْكِفَايَةُ؟ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا، فَيَجِبُ فِي الْكِسْوَةِ وَمَا يَسْتُرُ كُلَّ الْبَدَنِ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ وَيُلْحَقُ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَثَمَنِ دَوَاءٍ وَخَادِمٍ مُنْقَطِعٍ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلَهُمْ: لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ بَذْلُ طَعَامِهِ لِمُضْطَرٍّ إلَّا بِبَدَلِهِ؛ لِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ غَنِيٍّ تَلْزَمُهُ الْمُوَاسَاةُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ سُئِلَ قَادِرٌ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَادِرٌ آخَرُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ بِخِلَافِ الْمُفْتِي، لَهُ الِامْتِنَاعُ إذَا كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّفْسَ جُبِلَتْ عَلَى مَحَبَّةِ الْعِلْمِ وَإِفَادَتُهُ، فَالتَّوَاكُلُ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا بِخِلَافِ الْمَالِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْأَغْنِيَاءِ) أَيْ: مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ لَهُ وَلِمُمَوَّنِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ س ل وَشَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: وَرَدِّ سَلَامٍ) أَيْ: مَطْلُوبٍ وَصِيغَتُهُ ابْتِدَاءً: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامِي عَلَيْكُمْ، وَيُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَيَجِبُ فِيهِ الرَّدُّ وَكَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامٌ، وَسَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَمَّا لَوْ قَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَا يَكُونُ سَلَامًا، وَلَا يَجِبُ رَدُّهُ وَنُدِبَتْ صِيغَةُ الْجَمْعِ؛ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ فِي الْوَاحِدِ وَيَكْفِي الْإِفْرَادُ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الْجَمْعِ وَالْإِشَارَةِ بِيَدٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ خِلَافُ الْأُولَى وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّفْظِ أَفْضَلُ، وَصِيغَتُهُ رَدًّا: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ عَلَيْكَ السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ، وَيَجُوزُ مَعَ تَرْكِ الْوَاوِ فَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ جَازَ. اهـ. م ر، وَيَحْرُمُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ ذِمِّيًّا فَإِنْ بَانَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ قَالَ: اسْتَرْجَعْت سَلَامِي أَوْ رَدَدْت: عَلَيَّ سَلَامِي تَحْقِيرًا لَهُ وَإِيحَاشًا أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي وُجُوبُ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ تَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، وَيَسْتَثْنِيهِ وُجُوبًا وَلَوْ بِقَلْبِهِ إنْ كَانَ مَعَ مُسْلِمٍ، وَلَا يَبْدَؤُهُ بِتَحِيَّةٍ أُخْرَى كَهَنَّاكَ اللَّهُ أَوْ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ، إلَّا لِعُذْرٍ، وَيُسَنُّ لِمَنْ دَخَلَ مَحَلًّا خَالِيًا أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. اهـ. حَجّ مَعَ تَوْضِيحٍ لِكَلَامِهِ. اهـ. ز ي.
وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِأَنْ يَقُولَ: لَهُ وَعَلَيْكَ أَوْ عَلَيْكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ: أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكَ» وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ