مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ (عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ فَيَكْفِي مِنْ أَحَدِهَا بِخِلَافِهِ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَوْ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ أُنْثَى مُشْتَهَاةً وَالْآخَرُ رَجُلًا وَلَا مَحْرَمِيَّةَ بَيْنَهُمَا أَوْ نَحْوَهَا فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ، ثُمَّ إنْ سَلَّمَ هُوَ حَرُمَ عَلَيْهَا الرَّدُّ، أَوْ سَلَّمَتْ هِيَ كُرِهَ لَهُ الرَّدُّ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مَعَهَا وَمَعَ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ مَعَهُ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى فَاسِقٍ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ فِي تَرْكِهِ زَجْرٌ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَّصِلَ الرَّدُّ بِالسَّلَامِ اتِّصَالَ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ.
(وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ: السَّلَامِ عَلَى مُسْلِمٍ لَيْسَ بِفَاسِقٍ وَلَا مُبْتَدِعٍ (سُنَّةٌ) عَلَى الْكِفَايَةِ إنْ كَانَ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَإِلَّا فَسُنَّةُ عَيْنٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ» (لَا عَلَى نَحْوِ قَاضِي حَاجَةٍ وَآكِلٍ) كَنَائِمٍ وَمُجَامِعٍ وَمَنْ بِحَمَّامٍ يَتَنَظَّفُ فَلَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَا يُنَاسِبُهُ. وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: لَا عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ وَآكِلٍ وَفِي حَمَّامٍ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْآكِلِ مَا بَعْدَ الِابْتِلَاعِ وَقَبْلَ الْوَضْعِ فَيُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ: " الرَّدُّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ " حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مَعَهُ (وَلَا رَدَّ عَلَيْهِ) لَوْ أَتَى بِهِ لِعَدَمِ سَنِّهِ بَلْ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْحَاجَةِ وَالْمُجَامِعِ.
(وَإِنَّمَا يَجِبُ الْجِهَادُ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَانَ سُفْيَانُ يَرْوِي " عَلَيْكُمْ " بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَهَا صَارَ قَوْلُهُ: مَرْدُودًا عَلَيْهِ وَإِذَا ذَكَرَهَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَعْنَى، وَنَحْنُ نَدْعُو عَلَيْكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا السَّامَ بِالْمَوْتِ، فَلَا إشْكَالَ لِاشْتِرَاكِ الْخَلْقِ فِيهِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: مِنْ مُسْلِمٍ) وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا م ر وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِسَلَامٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى جَمَاعَةٍ وَشَمَلَتْ الْجَمَاعَةُ جَمَاعَةَ النِّسْوَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ رَجُلًا؛ لِجَوَازِ اخْتِلَائِهِ بِهِنَّ فَيَجِبُ الرَّدُّ عَلَى إحْدَاهُنَّ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْأُنْثَى الْوَاحِدَةَ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَامِلًا لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَصَرَّحَ بِهَا م ر أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الرَّدِّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَشْرُوطٌ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ، كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: كَوْنُ الْأُنْثَى وَحْدَهَا وَكَوْنُهَا مُشْتَهَاةً وَكَوْنُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَانْتِفَاءُ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا، كَالزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا سَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى امْرَأَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا الرَّدُّ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً، كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: فَيَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمْ) أَيْ: إنْ سَمِعَ فَإِنْ رَدُّوا كُلُّهُمْ، وَلَوْ مُرَتَّبًا أُثِيبُوا ثَوَابَ الْفَرْضِ كَالْمُصَلِّينَ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَلَوْ رَدَّتْ امْرَأَةٌ عَنْ رَجُلٍ أَيْ: بَدَلًا عَنْهُ بِأَنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَيْهِمَا أَجْزَأَ، إنْ شُرِعَ السَّلَامُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَكْفِي الرَّدُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ الدُّعَاءُ، وَهُوَ مِنْهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَهُنَا الْأَمْنُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَيْهَا الرَّدُّ) أَيْ: وَالِابْتِدَاءُ مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ: كُرِهَ لَهُ الرَّدُّ أَيْ: وَالِابْتِدَاءُ مِثْلُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: الْآتِي وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ إلَخْ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ هُنَا. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ سَلَّمَ كُرِهَ لَهُ الِابْتِدَاءُ، وَحَرُمَ عَلَيْهَا الرَّدُّ وَإِنْ سَلَّمَتْ حَرُمَ عَلَيْهَا الِابْتِدَاءُ وَكُرِهَ لَهُ الرَّدُّ فَيُكْرَهُ لَهُ الِابْتِدَاءُ وَالرَّدُّ، وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهَا قَالَ حَجّ: وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّهَا وَابْتِدَاءَهَا يُطَمِّعُهُ فِيهَا أَكْثَرَ بِخِلَافِ ابْتِدَائِهِ وَرَدِّهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَّصِلَ الرَّدُّ بِالسَّلَامِ إلَخْ) إلَّا فِيمَا لَوْ أَرْسَلَ سَلَامًا مَعَ آخَرَ نَعَمْ لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ فِيهِ مِنْ صِيغَةٍ مِنْ الْمُرْسِلِ أَوْ الرَّسُولِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فُلَانٌ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَلَا يَجِبُ بِهِ رَدٌّ، كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ بَلْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الرَّدِّ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ فُلَانٍ أَوْ يَقُولُ الْمُرْسِلُ: السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَلَا يَكْفِي " سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ "، وَلَا يَضُرُّ فِي الرَّدِّ طُولُ الْفَصْلِ كَأَنْ نَسِيَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ. اهـ. ع ش مُلَخَّصًا وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ: عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ ضَرَرِ طُولِ الْفَصْلِ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ: عِنْدَ إقْبَالِهِ وَانْصِرَافِهِ م ر (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ) وَفَارَقَ الرَّدَّ بِأَنَّ الْإِيحَاشَ وَالْإِخَافَةَ فِي تَرْكِ الرَّدِّ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي تَرْكِ الِابْتِدَاءِ، لَكِنْ ابْتِدَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: ابْتِدَاؤُهُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ تَكَلُّمٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ فِي تَكَلُّمٍ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا وَعُذِرَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ الِابْتِدَاءَ بِهِ فَيَجِبُ جَوَابُهُ وَلَوْ سَلَّمَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مَعًا لَزِمَ كُلًّا رَدٌّ أَوْ مُرَتَّبًا كَفَى الثَّانِي سَلَامُهُ رَدًّا، نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ صَرَفَهُ عَنْ الْجَوَابِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ وَالرَّدَّ فَكَذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ أَوَّلًا، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ دُفْعَةً أَوْ مُرَتَّبًا، وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِ الْأَوَّلِ، وَالْجَوَابِ كَفَاهُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ بِقَصْدِهِمْ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُسَلِّمُ رَاكِبٌ عَلَى مَاشٍ وَهُوَ عَلَى وَاقِفٍ وَقَاعِدٍ، وَصَغِيرٌ عَلَى كَبِيرٍ، وَقَلِيلٌ عَلَى كَثِيرٍ حَالَةَ التَّلَاقِي فَإِنْ عُكِسَ لَمْ يُكْرَهْ، فَلَوْ تَلَاقَى قَلِيلٌ مَاشٍ وَكَثِيرٌ رَاكِبٌ تَعَارَضَا شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: سُنَّةٌ أَيْ: وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ بِأَنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ لَا يَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ تِلْكَ الْعَادَةَ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ يُوقِعُهُ فِي مَحْظُورٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ ح ل.
(قَوْلُهُ: بِاَللَّهِ) أَيْ: بِرَحْمَتِهِ أَوْ بِدُخُولِ جَنَّتِهِ اهـ مُنَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ بِحَمَّامٍ يَتَنَظَّفُ) تَعْلِيلُهُمْ يُشْعِرُ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِشَخْصٍ فِي دَاخِلِهِ لَا فِي مَسْلَخِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الرَّدُّ بَلْ يَجِبُ ز ي (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى) يُغْنِي عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ حَمْلُ الْآكِلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ: الْمُتَلَبِّسِ بِالْأَكْلِ أَيْ: فَلَا يُنْدَبُ السَّلَامُ حَالَ التَّلَبُّسِ بِالْأَكْلِ فَتَخْرُجُ هَذِهِ الصُّورَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْحَاجَةِ) وَيُنْدَبُ لِلْآكِلِ وَمَنْ