للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: ١٥] ؛ وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمْرَ الْقِتَالِ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَنْ لَا يَخْرُجَ بِجُعْلٍ مِنْ السُّلْطَانِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَعُزِيَ لِنَصِّ الْأُمِّ وَأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَمْ تَنْكَسِرْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ الْخَوْفِ أَنْ يُقِيمَ فِي قَرْيَةٍ بِالطَّرِيقِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْجَيْشُ فَيَرْجِعَ مَعَهُمْ لَزِمَهُ.

(وَإِنْ دَخَلُوا) أَيْ: الْكُفَّارُ (بَلْدَةً لَنَا) مَثَلًا (تَعَيَّنَ) الْجِهَادُ (عَلَى أَهْلِهَا) سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَأَهُّبُهُمْ لِقِتَالٍ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ، لَكِنْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ قُصِدَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ قُتِلَ أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً إنْ أُخِذَتْ (وَ) عَلَى (مَنْ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِنْهَا) وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهَا كِفَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاضِرِ مَعَهُمْ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ (حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَرَقِيقٍ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْأَصْلِ وَرَبِّ الدَّيْنِ، وَالسَّيِّدِ وَلَوْ كَفَى الْأَحْرَارُ (وَعَلَى مَنْ بِهَا) أَيْ: بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَيَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ (بِقَدْرِ كِفَايَةٍ) دَفْعًا لَهُمْ وَإِنْقَاذًا مِنْ الْهَلَكَةِ فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ قَرُبَ وَفَرَضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ.

(وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ) مَنْ قُصِدَ (تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ وَجَوَّزَ أَسْرًا) وَقَتْلًا (فَلَهُ اسْتِسْلَامٌ) وَقِتَالٌ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ) مِنْهُ (قُتِلَ) (وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً) إنْ أُخِذَتْ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ، كَمَا مَرَّ فَإِنْ أَمِنَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ حَالًا لَا بَعْدَ الْأَسْرِ اُحْتُمِلَ جَوَازُ اسْتِسْلَامِهَا، ثُمَّ تَدْفَعُ إذَا أُرِيدَ مِنْهَا ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.

(وَلَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا دَارَنَا (لَزِمَنَا نُهُوضٌ لِخَلَاصِهِ إنْ رُجِيَ) بِأَنْ يَكُونُوا قَرِيبِينَ مِنَّا كَمَا يَلْزَمُنَا فِي دُخُولِهِمْ دَارَنَا دَفْعُهُمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ، فَإِنْ تَوَغَّلُوا فِي بِلَادِهِمْ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّسَارُعُ إلَيْهِمْ تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ. .

ــ

[حاشية البجيرمي]

الصُّفُوفِ يَحْرُسُ س ل. قَوْلُهُ: {زَحْفًا} [الأنفال: ١٥] حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ أَيْ: مُجْتَمِعِينَ كَأَنَّهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ يَزْحَفُونَ. اهـ. جَلَالٌ.

قَوْلُهُ: {فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: ١٥] أَيْ: لَا تَجْعَلُوا أَدْبَارَكُمْ أَيْ: ظُهُورَكُمْ وَالِيَةً إلَيْهِمْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ) بَلْ لَا يَجُوزُ

. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلُوا إلَخْ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: سَابِقًا، وَالْكُفَّارُ بِبِلَادِهِمْ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) مُتَعَلِّقٌ بِدَخَلُوا لِإِدْخَالِ مَا لَوْ صَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَلْدَةِ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ دُخُولِ الْبَلَدِ، كَمَا فِي م ر، وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ أَيْضًا بِبَلْدَةٍ لِإِدْخَالِ الْقَرْيَةِ، وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ: لَنَا لِإِدْخَالِ بِلَادِ الذِّمِّيِّينَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: تَأَهُّبُهُمْ) أَيْ: اسْتِعْدَادُهُمْ لِقِتَالٍ ز ي بِأَنْ لَمْ يَهْجُمُوا بَغْتَةً شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) هُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يُمْكِنْ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر وَمِنْ كَلَامِهِ الْآتِي.

(قَوْلُهُ: عَلِمَ) أَيْ: ظَنَّ كُلُّ مَنْ قَصَدَ إلَخْ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِسْلَامِ لِلْكَافِرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ذُلٌّ دِينِيٌّ مِنْ غَيْرٍ خَوْفٍ عَلَى النَّفْسِ ز ي وَأَخَذَ الشَّارِحُ هَذَا التَّقْيِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدُ وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ أَيْ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ، لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ إلَخْ وَأَخَذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ إلَخْ أَيْ: أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ قُتِلَ، لَكِنْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ: وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً إذْ هُوَ مَفْهُومُهُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ جَمِيعِ ذَلِكَ عَمَّا يَأْتِي، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ بِجَعْلِ إلَّا رَاجِعَةً أَيْضًا لِقَوْلِهِ: وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا. فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَمْ لَمْ يُمْكِنْ مُقَيَّدٌ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً) أَيْ: لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ لَا تُبَاحُ لِخَوْفِ الْقَتْلِ ز ي (قَوْلُهُ: وَفَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ) يَنْبَغِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ أَنَّهُ يَجِبُ قِيَامُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مُطْلَقًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكْفِ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَوْضِعِ، وَمَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مُسَاعَدَتُهُمْ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سم.

. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأَهُّبٌ إلَخْ) هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهَا إلَخْ وَكَأَنَّهُ قَالَ: تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهَا بِكُلِّ حَالٍ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقُيُودِهَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ وَالتَّعْمِيمُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ: سَوَاءٌ أَمْكَنَ إلَخْ تَوْطِئَةً لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ اسْتِسْلَامٌ) يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ هَذَا بِمَا سَبَقَ فِي الصِّيَالِ مِنْ وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ إذَا كَانَ كَافِرًا، لَكِنْ قَالَ م ر: الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ فِي الصِّيَالِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ الْكَافِرِ، وَيَمْتَنِعُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِسْلَامِ فِي الصَّفِّ، وَذَاكَ فِي غَيْرِ الصَّفِّ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الصَّفِّ يَنَالُ الشَّهَادَةَ الْعُظْمَى، فَجَازَ اسْتِسْلَامُهُ، وَلَا كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّفِّ. اهـ. عَمِيرَةُ وَالْمُرَادُ الصَّفُّ وَلَوْ حُكْمًا فَإِنَّهُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الِاسْتِسْلَامِ وَجَبَ الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَفٌّ سم.

(قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ) أَيْ: ظَنَّ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ قُتِلَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِسْلَامِ حِينَئِذٍ تَعْجِيلٌ لِلْقَتْلِ ز ي وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا؛ لِأَنَّ التَّجْوِيزَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ وَالْقِتَالِ وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ عَلَى فَرْضٍ أَنْ يُقَاتِلَ، وَيَمْتَنِعَ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً) أَيْ: حَالًا أَوْ مَآلًا.

(قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ الْأَسْرِ) أَيْ: فَلَمْ تَأْمَنْهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تَقْصِدُ بِهَا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا تَظُنُّ ذَلِكَ بَعْدَ السَّبْيِ.

(قَوْلُهُ: اُحْتُمِلَ جَوَازُ اسْتِسْلَامِهَا إلَخْ) نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحَهُ وَعَنْ الْبَسِيطِ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمَنْعُ ز ي (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَدْفَعُ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ قُتِلَتْ؛ لِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُطَاوَعَةُ لِدَفْعِ الْقَتْلِ شَرْحُ الرَّوْضِ

. (قَوْلُهُ: لَزِمَنَا) أَيْ: عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْعَيْنِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: تَرَكْنَاهُ) وَيُنْدَبُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَلَاصِهِ افْتِدَاؤُهُ بِمَالٍ، فَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>