مِنْ الْأَدْنَاسِ، وَشَرْعًا: رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا كَالتَّيَمُّمِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِأَنْوَاعِ الطِّهَارَاتِ، وَبَدَأْت بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي آلَتِهَا فَقُلْت (إنَّمَا يُطَهَّرُ مِنْ مَائِعٍ مَاءٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ) وَإِنْ رَشَحَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرُهُ أَوْ قَيْدٌ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَاءِ الْبَحْرِ بِخِلَافِ الْخَلِّ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالنَّظَافَةُ خَاصَّةٌ بِالْحِسِّيَّةِ أَوْ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ أَوْ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا) عَبَّرَ عَنْ مَعْنَى الطَّهَارَةِ الْمُقَابِلِ لِلُّغَوِيِّ بِقَوْلِهِ وَشَرْعًا وَعَنْ مَعْنَى الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَاصْطِلَاحًا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ مَا تُلْقِي مَعْنَاهَا مِنْ الشَّارِعِ وَأَنَّ مَا لَمْ يُتَلَقَّ مِنْ الشَّارِعِ يُسَمَّى اصْطِلَاحًا، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَنْ اصْطَلَحُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَلَقَّوْا التَّسْمِيَةَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ نَعَمْ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَمَا قَالَهُ سم فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَهْجَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا.
ع ش (قَوْلُهُ رَفْعُ حَدَثٍ) هَذَا أَحَدُ إطْلَاقَيْنِ لِلطَّهَارَةِ وَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَالْإِطْلَاقُ الثَّانِي حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. ع ن أَيْ: الطَّهَارَةُ ذَاتُ رَفْعِ حَدَثٍ كَوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ يُؤَوَّلُ رَفْعٍ بِرَافِعٍ وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ الرَّفْعِ وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنْهَا لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ وَهُوَ إزَالَتُهُ نَاشِئٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ أَوْ إزَالَةُ نَجِسٍ بِأَنْ يُقَالَ: ذَاتُ إزَالَةٍ وَهُوَ الْغُسْلُ أَوْ يُؤَوَّلُ إزَالَةُ بِمُزِيلٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغُسْلَ مُزِيلٌ، وَأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ نَفْسَ الْإِزَالَةِ، وَإِنَّمَا الْإِزَالَةُ نَاشِئَةٌ عَنْهَا لِأَنَّهَا نَاشِئَةٌ عَنْ الْغُسْلِ اهـ شَيْخُنَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَهُوَ الْفِعْلُ وَعَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ أَثَرُهُ وَالْأَوَّلُ: مَجَازِيٌّ وَالثَّانِي: حَقِيقِيٌّ وَإِنَّمَا عَرَّفَهَا الشَّارِحُ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْفِعْلُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (قَوْلُهُ كَالتَّيَمُّمِ) هَذَا فِي مَعْنَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَفِي مَعْنَى إزَالَةِ النَّجَسِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ وَقَوْلُهُ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ مِثَالَانِ لِمَا عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَوَّلِ عَلَى صُورَةِ الْأَكْبَرِ وَالثَّانِي عَلَى صُورَةِ الْأَصْغَرِ وَقَوْلُهُ: وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِثَالٌ لِمَا عَلَى صُورَةِ إزَالَةِ النَّجَسِ أَوْ عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ فَهِيَ) أَيْ: الطَّهَارَةُ الَّتِي فِي التَّرْجَمَةِ شَامِلَةٌ إلَخْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ لِأَنْوَاعِ الطَّهَارَاتِ هِيَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ أَرْبَعَةٌ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا فِي التَّرْجَمَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَنْ جَمَعَهَا قَصَدَ التَّصْرِيحَ بِهِ أَيْ: بِذَلِكَ التَّنَاوُلِ مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) أَيْ: الْكَثِيرُ وَالْغَالِبُ فِي آلَتِهَا أَيْ: الطَّهَارَةِ وَهِيَ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَالْحَجَرُ وَالدَّابِغُ وَهِيَ الْوَسَائِلُ حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ إنَّمَا يُطَهِّرُ إلَخْ) هُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ قَصْرَ إفْرَادٍ لِلرَّدِّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ يُطَهِّرُ كَالْخَلِّ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ كَمَاءِ الْبِطِّيخِ قَالُوا: إنَّهُ يُطَهِّرُ النَّجَسَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ مَعَ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْحَدَثَ أَقْوَى لِأَنَّهُ يَحِلُّ بَاطِنَ الْأَعْضَاءِ وَظَاهِرَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا كُشِطَ الْجِلْدُ عَنْ الْأَعْضَاءِ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا، وَالنَّجَاسَةُ تَحِلُّ الظَّاهِرَ فَقَطْ فَإِذَا كُشِطَ الْجِلْدُ زَالَتْ اهـ وَالْمُرَادُ الطَّهَارَةُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِمَا فِيهِ رَفْعٌ وَإِزَالَةٌ وَلِمَا لَا رَفْعَ فِيهِ وَلَا إزَالَةَ كَالطَّهَارَةِ الْمَنْدُوبَةِ فَإِنَّهَا مُطَهِّرَةٌ صُورَةً بِمَعْنَى أَنَّهَا عَلَى صُورَةِ الْمُطَهِّرِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُشْتُرِطَ الْمَاءُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ مَائِعٍ) وَإِلَّا فَالتُّرَابُ وَالْحَجَرُ وَآلَةُ الدَّبْغِ كُلٌّ مِنْهَا مُحَصِّلٌ لِلطَّهَارَةِ.
ح ل (قَوْلُهُ بِلَا قَيْدٍ) أَيْ: لَازِمٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَشَحَ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا الرَّشْحَ يُسَمَّى مَاءً وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً، وَيَنْقُصُ بِقَدْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي: وَلَا يَجُوزُ رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ نَجِسٍ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَوْ بُخَارِ الْمَاءِ وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ: يُسَمُّونَهُ بُخَارًا وَرَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ شَرْحُ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْهَاجِ خَضِرٌ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَزَازَةٌ عَلَى جَعْلِهِ الرَّشْحَ مِنْ الْبُخَارِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْمَاءِ فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ رَشَحَ مِنْ الْمَاءِ بِسَبَبِ الْبُخَارِ الَّذِي هُوَ حَرَارَةُ النَّارِ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَقَدْ يُجَابُ بِجَعْلِ مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ: وَإِنْ رَشَحَ مِنْ الْمَاءِ مِنْ أَجْلِ الْبُخَارِ، وَسَبَبُهُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الرَّشْحَ بِكَوْنِهِ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أُجْهُورِيٌّ وَإِلَّا فَالرَّشْحُ مِنْ غَيْرِ الْبُخَارِ كَالنَّشَعِ مُطْلَقٌ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ أَوْ قَيَّدَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ رَشَحَ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَلِّ وَنَحْوِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute