للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءٍ دَافِقٍ أَيْ مَنِيٍّ فَلَا يُطَهِّرُ شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى مُمْتَنًّا بِالْمَاءِ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وقَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْمَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُطْلَقِ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ فَلَوْ طَهَّرَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَائِع لَفَاتَ الِامْتِنَانُ بِهِ وَلَمَا وَجَبَ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِهِ وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ، وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ شَامِلٌ لِطُهْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا وَلِلطُّهْرِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْأَصْلِ: يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ

(فَمُتَغَيِّرٌ بِمُخَالِطٍ) وَهُوَ مَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُجَاوِرِ (طَاهِرٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ) كَزَعْفَرَانٍ وَمَنِيٍّ (تَغَيُّرًا يَمْنَعُ) لِكَثْرَتِهِ (الِاسْمَ) أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ تَقْدِيرِيًّا؛ بِأَنْ اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ مَا يُوَافِقُهُ فِي صِفَاتِهِ كَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَيُقَدَّرُ مُخَالِفًا لَهُ فِي أَحَدِهَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا يُسَمَّى مَاءً، وَمَا لَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِلَا قَيْدٍ إذْ هُوَ فِي النَّفْيِ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّازِمِ. (قَوْلُهُ كَمَاءِ الْوَرْدِ) مُقَيَّدٌ بِالْإِضَافَةِ وَمَا بَعْدَهُ مُقَيَّدٌ بِالصِّفَةِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَنْطُوقِ الْمَتْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّمَا يُطَهِّرُ إلَخْ وَعَلَى مَفْهُومِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الْخَلِّ وَنَحْوِهِ إلَخْ لَكِنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَنْطُوقِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا بِمَنْطُوقِ الْأَدِلَّةِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَفْهُومِ فَفِيهَا خَفَاءٌ فَلِذَلِكَ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ فَلَوْ طَهَّرَ غَيْرُهُ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُمْتَنًّا) أَيْ: مُعَدِّدًا لِلنِّعَمِ. قَوْلُهُ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] الْآيَةُ تَشْمَلُ مَا نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي الْأَصْلِ مِنْ السَّمَاءِ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: ١٨] (قَوْلُهُ الْأَعْرَابِيُّ) وَاسْمه ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ لَا التَّمِيمِيُّ لِأَنَّهُ خَارِجِيٌّ سُيُوطِيٌّ فِي حَوَاشِي الْأَذْكَارِ.

ع ش (قَوْلُهُ صَبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا) أَيْ: مَظْرُوفَ ذَنُوبٍ وَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَهِيَ مَعَ مَدْخُولِهَا حَالٌ. اهـ عَمِيرَةُ ز ي أَيْ: مِنْ مَظْرُوفِ الْمُقَدَّرِ (قَوْلُهُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) إذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الذَّنُوبِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ مَاءٍ وَتَقْيِيدُهُ بِهِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذَّنُوبَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى الدَّلْوِ، وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ الذَّنُوبُ الدَّلْوُ أَوْ وَفِيهَا مَاءٌ أَوْ الْمُمْتَلِئَةُ أَوْ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْمِلْءِ شَوْبَرِيٌّ أَيْ: فَيُحْمَلُ الذَّنُوبُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الدَّلْوِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ) أَيْ: فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ وَالْمَاءُ أَيْ: فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ. (قَوْلُهُ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ) مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي هِيَ {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَإِلَّا لَزِمَ إلْغَاءُ طَهُورًا أَيْ: مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَةِ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١] وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ.

ح ل (قَوْلُهُ فَلَوْ طَهَّرَ غَيْرُهُ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ أَدِلَّةٌ لِلْمَفْهُومِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لَفَاتَ الِامْتِنَانُ) أَيْ: تَعْدَادُ النِّعَمِ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ مَمْدُوحٌ وَمِنْ غَيْرِهِ مَذْمُومٌ قَالَ ح ل: وَفِيهِ أَنَّهُ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَقَعَ الِامْتِنَانُ بِشَيْءٍ مَعَ وُجُودِ مَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي امْتَنَّ بِهِ لِأَجْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: نَعَمْ لَكِنْ لَا كَبِيرَ مَوْقِعٍ لَهُ اهـ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَعْنَى لَفَاتَ كَمَالُ الِامْتِنَانِ وَعِبَارَةُ سم فِيهِ تَأَمُّلٌ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِامْتِنَانِ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ؟ وَهَلَّا وُجِّهَ الِاسْتِدْلَال بِأَنْ تَقُولَ: ثَبَتَتْ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَلَمْ تَثْبُتْ بِغَيْرِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ لِظُهُورِ الْفَارِقِ؟ اهـ قَالَ الشَّمْسُ الْخَطِيبُ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ: وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ الطُّهْرَ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ.

اهـ (قَوْلُهُ وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ) فِيهِ بَحْثٌ لِجَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْوَاجِبِ أَوْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَسِّرُ إذْ ذَاكَ سم

(قَوْلُهُ فَمُتَغَيِّرٌ بِمُخَالِطٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ ع ش وَإِنَّمَا قَالَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: غَيْرُ مُطْلَقٍ، وَالْمُرَادُ الْمُتَغَيِّرُ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالتَّغْيِيرُ الْمُؤَثِّرُ إلَخْ (قَوْلُهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ) مُرَادُهُ بِالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ الْمُتَنَاثِرَةِ وَلَوْ رَبِيعِيَّةً، وَإِنْ تَفَتَّتَتْ وَاخْتَلَطَتْ وَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ بِسَبَبِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهَا سَوَاءٌ وَقَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِيقَاعٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْوَرَقِ كَالْوَرْدِ أَوْ لَا شَرْحُ م ر لِأَنَّ شَأْنَ الثِّمَارِ سُهُولَةُ التَّحَرُّزِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْأَوْرَاقِ، وَقَوْلُهُ وَمَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ غَالِبًا وَمِنْهُ مَا تَغَيَّرَ التَّغَيُّرَ الْمَذْكُورَ بِسَبَبِ إلْقَاءِ مَا تَغَيَّرَ بِمَا فِي مَقَرِّهِ أَوْ مَمَرِّهِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ حِينَئِذٍ فَيَضُرُّ، وَعَلَيْهِ اللُّغْزُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَا أَنْ تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا وَلَا تَصِحُّ بِهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ اهـ حَلَبِيٌّ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ التَّغَيُّرُ بِالْبَخُورِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا وَمِثْلُهُ شَرْحِ م ر.

(قَوْلُهُ فِي صِفَاتِهِ) أَيْ: اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ. (قَوْلُهُ فَيُقَدِّرُ مُخَالِفًا) أَيْ: إنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَوْ هَجَمَ وَتَوَضَّأَ بِهِ صَحَّ وُضُوءُهُ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ شَاكٌّ وَنَحْنُ لَا تُؤْثِرُ بِالشَّكِّ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْمُتَيَقَّنِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ هُوَ مُخَالِطٌ أَوْ مُجَاوِرٌ؟ أَوْ فِي كَثْرَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؟ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مُخَالِفًا) أَيْ: وَسَطًا ح ل (قَوْلُهُ فِي أَحَدِهَا) الْمُرَادُ بِالْأَحَدِ الْأَحَدُ الدَّائِرُ فَيَشْمَلُ كُلَّ أَحَدٍ أَيْ: فَيُقَدِّرُ مُخَالِفًا لَهُ فِي كُلِّ صِفَةٍ لَا فِي صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ. ح ف وَصَرَّحَ بِهِ م ر وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ فِي أَحَدِهَا أَيْ: فَإِنْ غَيَّرَ اُكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا عَرَضَ الْبَاقِيَ مِنْ الْأَوْصَافِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ م ر وَعِبَارَةَ ح ل بِمَعْنَى أَنَّا نَعْرِضُ عَلَيْهِ مُغَيِّرَ اللَّوْنِ وَمُغَيِّرَ الطَّعْمِ وَمُغَيِّرَ الرِّيحِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>