وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا " أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ» وَالْوَاحِدَةُ مِنْهَا قَدَّرَهَا الشَّافِعِيُّ أَخْذًا مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الرَّائِي لَهَا بِقِرْبَتَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ، وَوَاحِدَتُهَا لَا تَزِيدُ غَالِبًا عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي زَكَاةِ النَّابِتِ. وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ. وَالْقُلَّتَانِ بِالْمِسَاحَةِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا، وَالْمَعْنَى بِالتَّقْرِيبِ فِي الْخَمْسِمِائَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ رِطْلَيْنِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي رَوْضَتِهِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي تَحْقِيقِهِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيِّرَةِ (فَإِنْ غَيَّرَهُ) وَلَوْ يَسِيرًا أَوْ تَغَيُّرًا تَقْدِيرِيًّا (فَنَجَسٌ) بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» فَلَوْ تَغَيَّرَ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا أَفْهَمَهُ التَّقْيِيدُ بِالْمُلَاقَاةِ وَإِنَّمَا أَثَّرَ التَّغَيُّرُ الْيَسِيرُ بِالنَّجَسِ بِخِلَافِهِ فِي الطَّاهِرِ لِغِلَظِ أَمْرِهِ.
أَمَّا إذَا غَيَّرَ بَعْضَهُ فَالْمُتَغَيِّرُ نَجَسٌ وَكَذَا الْبَاقِي إنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ (فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ) الْحِسِّيُّ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ لَكِنَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ كَوْنَهُمَا تَقْرِيبًا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصٌ إلَخْ إذْ غَايَةُ مَا قَالَ: وَالْوَاحِدَةُ لَا تَزِيدُ فَنَفَى الزِّيَادَةَ، وَنَفْيُ الزِّيَادَةِ لَا يُفِيدُ اغْتِفَارَ النَّقْصِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَيْ: يَدْفَعُ النَّجِسَ وَلَا يَقْبَلُهُ) عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الضَّيْمَ لَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الْحَجَرَ لِثِقَلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُلَّتَيْنِ فَائِدَةٌ. ح ل وَقَوْلُهُ لَا عَلَى حَدِّ إلَخْ أَيْ: فَهُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمَعَانِي لَا حَمْلِ الْأَجْرَامِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ أَيْ: لِأَنَّ الْمَاءَ مُطْلَقًا لَا يَحْمِلُ الْأَجْرَامَ النَّجِسَةَ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَوْقَهُ، وَالْمَعَانِي الْمُرَادُ بِهَا هُنَا التَّنَجُّسُ الْحَاصِلُ مِنْ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ أَخْذًا مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ) لَمْ يَقُلْ: كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالنِّصْفِ بَلْ قَالَ: تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الشَّيْءَ عَلَى النِّصْفِ احْتِيَاطًا اهـ إطْفِيحِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ) كَانَ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يُونُسَ ع ش أَيْ: شَيْخًا لَهُ بِالْوَاسِطَةِ إذْ الشَّافِعِيُّ أَخَذَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ وَهُوَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ بِالْمِسَاحَةِ) أَيْ: الذَّرْعِ (قَوْلُهُ فِي الْمُرَبَّعِ) أَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ كَالْبِئْرِ فَهُمَا ذِرَاعَانِ طُولًا وَذِرَاعٌ عَرْضًا، وَالْمُرَادُ بِالطُّولِ فِيهِ الْعُمْقُ، وَبِالذِّرَاعِ فِيهِ ذِرَاعُ النَّجَّارِ وَهُوَ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ ز ي. وَالْمُحِيطُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ الْعَرْضِ، وَسُبْعُ مِثْلِهِ فَيَضْرِبُ بَعْدَ الْبَسْطِ نِصْفَ الْعَرْضِ فِي نِصْفِ الْمُحِيطِ، وَيَضْرِبُ الْحَاصِلَ فِي الْعُمْقِ، وَأَمَّا الْمُثَلَّثُ فَهُوَ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ طُولًا وَذِرَاعٌ وَنِصْفٌ عَرْضًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَذِرَاعَانِ عُمْقًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ فَتُبْسَطُ كُلُّهَا أَذْرُعًا قَصِيرَةً ثُمَّ تُضْرَبُ سِتَّةُ الطُّولِ فِي سِتَّةِ الْعَرْضِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَخُذْ ثُلُثَهَا وَعُشْرَهَا وَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فَاضْرِبْهَا فِي ثَمَانِيَةِ الْعُمْقِ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ إلَّا خُمُسًا، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَسَعُ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ، وَالْخُمُسُ النَّاقِصُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَقْرِيبًا. (قَوْلُهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ رِطْلَيْنِ) وَكَأَنَّ اغْتِفَارَ الرَّطْلَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا أَمْرٌ وَسَطٌ بَيْنَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقُلَّةِ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَأَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ) أَيْ: يَقِينًا ع ش وَفِي غَيَّرَهُ ضَمِيرَانِ بَارِزٌ وَمُسْتَتِرٌ فَالْبَارِزُ لِلْمَاءِ وَالْمُسْتَتِرُ لِلنَّجِسِ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ غَيَّرَ النَّجِسُ الْمَاءَ أَيْ: حَالًا فَلَوْ لَمْ يُغَيِّرْهُ حَالًا بَلْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَالْأَوْجُهُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ إنْ عَلِمُوا، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ شَرْحُ الْإِرْشَادِ وَقَوْلُهُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَيْ: وَلَوْ وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَيْحُكُمْ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ حِينِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَتَأَمَّلْهُ شَوْبَرِيٌّ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ غَيَّرَهُمَا أَيْ: الْقُلَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ قُلَّتَا مَاءٍ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَغَيُّرًا تَقْدِيرِيًّا) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ تَقْدِيرًا وَذَلِكَ كَأَنْ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ مُنْقَطِعُ الرَّائِحَةِ فَيُقَدِّرُ الرِّيحَ رِيحَ الْمِسْكِ، وَالطَّعْمَ طَعْمَ الْخَلِّ، وَاللَّوْنَ لَوْنَ الْحِبْرِ وَهَذَا هُوَ الْمُخَالِفُ الْأَشَدُّ كَمَا فِي ح ل. (قَوْلُهُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ) أَيْ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ إلَخْ ع ش (قَوْلُهُ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ) عَطْفٌ عَلَى لِلْخَبَرِ فَالْإِجْمَاعُ خَصَّصَ الْخَبَرَيْنِ ع ش، وَبَقِيَ لِلْخَبَرِ الثَّانِي تَخْصِيصٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ صِدْقِهِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَاءُ فَلِمَفْهُومِ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ السَّابِقِ الْمُخَصِّصِ لِمَنْطُوقِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» (قَوْلُهُ فَلَوْ تَغَيَّرَ بِجِيفَةٍ) مَفْهُومُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي غَيْرٍ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى النَّجِسِ الْمُلَاقِي وَقَوْلُهُ أَمَّا إذَا غَيَّرَ بَعْضَهُ مَفْهُومُ الضَّمِيرِ الْبَارِزِ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ كُلَّهُ (قَوْلُهُ كَمَا أَفْهَمَهُ التَّقْيِيدُ) أَيْ: الْمَفْهُومُ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ لِلنَّجِسِ الْمُلَاقِي الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ. (قَوْلُهُ فِي الطَّاهِرِ) أَيْ: بِالطَّاهِرِ فَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَقَوْلُهُ لِغِلَظِ أَمْرِهِ أَيْ: وَصْفِهِ الَّذِي هُوَ التَّنْجِيسُ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا غَيَّرَ بَعْضَهُ) هَذَا وَاضِحٌ فِي الرَّاكِدِ دُونَ الْجَارِي فَإِنَّ الْجَرْيَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي لَمْ تُلَاقِ النَّجَاسَةَ لَهَا حُكْمُ الْغَسَّالَةِ.
ح ل (قَوْلُهُ فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ) أَيْ: الْمَاءِ الْكَثِيرِ أَمَّا الْقَلِيلُ فَلَا يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ ح ل (قَوْلُهُ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ) بِأَنْ يُقَدَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ حِسِّيًّا، وَمَكَثَ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ زِيدَ عَلَيْهِ مَاءٌ زَالَ تَغَيُّرُهُ وَيَفْعَلُ بِهِ كَذَلِكَ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهِ غَدِيرٌ أَيْ: نَهْرٌ صَغِيرٌ فِيهِ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ بِمَاءٍ صُبَّ عَلَيْهِ فَيُعْلَمُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا يَزُولُ تَغَيُّرُهُ بِمَا ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute