أَوْ مَالٍ (وَ) خَوْفٍ (مِنْ) مُلَازَمَةِ أَوْ حَبْسِ (غَرِيمٍ لَهُ وَبِهِ) أَيْ بِالْخَائِفِ (إعْسَارٌ يَعْسُرُ) عَلَيْهِ (إثْبَاتُهُ) بِخِلَافِ الْمُوسِرِ بِمَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ، وَالْمُعْسِرِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِثْبَاتِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ حَلِفٍ. وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَقَوْلِي يَعْسُرُ إثْبَاتُهُ مِنْ زِيَادَتِي. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ (وَ) خَوْفٍ مِنْ (عُقُوبَةٍ) كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَتَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ (يَرْجُو) الْخَائِفُ (الْعَفْوَ) عَنْهَا (بِغَيْبَتِهِ) مُدَّةَ رَجَائِهِ الْعَفْوَ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ الْعَفْوَ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَشُرْبٍ وَزِنًا إذَا بَلَغَتْ الْإِمَامَ أَوْ كَانَ لَا يَرْجُو الْعَفْوَ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ جَوَازَ الْغَيْبَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ فَإِنَّ مُوجِبَهُ كَبِيرَةٌ وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالْغَيْبَةُ طَرِيقَةٌ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى (وَ) خَوْفِ مَنْ (تَخَلَّفَ عَنْ رُفْقَةٍ) تَرْحَلُ لِمَشَقَّةِ التَّخَلُّفِ عَنْهُمْ (وَفَقْدِ لِبَاسٍ لَائِقٍ) بِهِ وَإِنْ وَجَدَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ كَذَلِكَ أَمَّا إذَا وَجَدَ لَائِقًا بِهِ وَلَوْ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَعُرْيٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ مَنْ وَجَدَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ يُعْذَرُ إذَا لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ (وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (تَعْسُرُ إزَالَتُهُ) كَبَصَلٍ وَثُومٍ نِيءٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ ثُومًا أَوْ كُرَّاثًا فَلَا يَقْرَبَنَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عُذْرًا نَعَمْ إنْ خَافَ تَلَفَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ م ر وَكَذَا فِي أَكْلِ مَا لَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ بِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ فَيَأْثَمُ بِعَدَمِ حُضُورِهِ الْجُمُعَةَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ مَعَ رِيحٍ مُنْتِنٍ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ السَّعْيُ فِي إزَالَتِهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَتَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ مَحَلٍّ عَمَّهُمْ عُذْرٌ كَمَطَرٍ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ، وَالْمَالَ لَيْسَا بِقَيْدٍ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: غَرِيمٍ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَرَامِ أَيْ الدَّوَامِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: ٦٥] شَوْبَرِيٌّ أَيْ دَائِمًا (قَوْلُهُ: الْقَادِرُ عَلَى الْإِثْبَاتِ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ حَلَفَ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ حِينَئِذٍ نَعَمْ لَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْإِثْبَاتِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَعُقُوبَةٍ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى غَرِيمٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مَعْصُومٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَسْلِيطُ عَلَى عَلَيْهِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إنْ كَانَتْ تَعْزِيرًا جَازَتْ الْغَيْبَةُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ حَدًّا فَإِنْ كَانَتْ لِآدَمِيٍّ فَكَذَلِكَ أَوْ لِلَّهِ فَإِنْ بَلَغَتْ الْإِمَامَ امْتَنَعَتْ وَإِلَّا جَازَتْ كَمَا أَفَادَهُ الشَّبْشِيرِيُّ.
(قَوْلُهُ: كَقَوَدٍ) فَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ لِصَبِيٍّ فَإِنْ قَرُبَ بُلُوغُهُ كَانَتْ الْغَيْبَةُ عُذْرًا إذَا رَجَا الْعَفْوَ وَإِنْ بَعُدَ بُلُوغُهُ فَلَا تَكُونُ عُذْرًا لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ سِنِينَ كَمَا فِي م ر وز ي (قَوْلُهُ: يَرْجُو الْعَفْوَ) وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ الْخَائِفِ الْمَفْهُومِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مِنْ فَاعِلِهِ الْمُقَدَّرِ أَيْ خَوْفِ شَخْصٍ وَقَوْلُهُ: مُدَّةَ رَجَائِهِ أَيْ مُدَّةً يَسْكُنُ فِيهَا غَضَبُ الْمُسْتَحِقِّ وَإِنْ طَالَتْ ح ل وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْغَيْبَةِ أَوْ لِرُخِّصَ (قَوْلُهُ: إذَا بَلَغَتْ الْإِمَامَ) أَيْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: مَنْدُوبٌ إلَيْهِ) أَيْ مَدْعُوٌّ إلَيْهِ مِنْ الشَّارِعِ أَيْ طَلَبَهُ الشَّارِعُ (قَوْلُهُ: وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الْجَوَابِ لِأَنَّ الْقَوَدَ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالْخُرُوجُ وَاجِبٌ مِنْهُ فَوْرًا بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَيْ فَفِيهِ تَرْكُ وَاجِبٍ وَهُوَ التَّوْبَةُ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ وَهُوَ الْعَفْوُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: سَهَّلَ هَذَا نَدْبُ الْعَفْوِ الَّذِي طَرِيقُهُ الْغَيْبَةُ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْغَصْبِ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ لِلْإِشْهَادِ اهـ. حَجّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَعَ إيضَاحٍ (قَوْلُهُ: لِمَشَقَّةِ التَّخَلُّفِ) أَيْ بِاسْتِيحَاشِهِ وَإِنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ شَوْبَرِيٌّ وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ لِلتَّنَزُّهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ ح ف خِلَافًا لِزَيِّ (قَوْلُهُ: لَائِقٍ بِهِ) أَيْ بِأَنْ اعْتَادَهُ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلُّ مُرُوءَتُهُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ مَرْكُوبٍ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ الْمَشْيُ كَالْعَجْزِ عَنْ لِبَاسٍ لَائِقٍ بِهِ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ أُدْمًا غَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ عُذْرًا أَيْ وَلَمْ يَقْصِدْ بِأَكْلِهِ إسْقَاطَ الْجُمُعَةِ، وَالْجَمَاعَةِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ اهـ. ع ن قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَمِنْ الرِّيحِ الْكَرِيهِ رِيحُ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ الْآنَ (قَوْلُهُ: تَعْسُرُ إزَالَتُهُ) أَيْ بِغَسْلٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَهُلَتْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَعْذُورِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ مَعَ الرِّيحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ هَذَا، وَالْأَوْجَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى وَهُوَ التَّأَذِّي وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ خَالِيًا أَوْ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: كَبَصَلٍ) أَيْ نِيءٍ فَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَثُومٍ نِيءٍ) وَمِثْلُهُ مَطْبُوخٌ بَقِيَ لَهُ رِيحٌ يُؤْذِي وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْغَالِبِ اهـ. حَجّ ع ن قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: نَاءَ الطَّعَامُ يَنِيءُ نِيئًا مِنْ بَابِ بَاعَ فَهُوَ نِيءٌ إذَا لَمْ يَنْضَجْ اهـ. فَهُوَ اسْمٌ جَامِدٌ أَوْ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِثْلُ نِيعٍ (قَوْلُهُ: مَنْ أَكَلَ بَصَلًا إلَخْ) وَأَكْلُهُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَذَا فِي حَقِّنَا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَوَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَهُ مَطْبُوخًا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وق ل (قَوْلُهُ: أَوْ ثُومًا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْوَاوِ اهـ. مُنَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ: أَوْ كُرَّاثًا بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْرُبْنَ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ قَرُبَ يَقْرُبُ بِضَمِّهَا فِيهِمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute