لِعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعَ الْخُيَلَاءِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ مَا فِي مَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ اتِّخَاذَهُ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ (كَمُضَبَّبٍ بِأَحَدِهِمَا وَضَبَّةُ الْفِضَّةِ كَبِيرَةٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ وَإِنَّمَا حَرُمَتْ ضَبَّةُ الذَّهَبِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ الْفِضَّةِ، وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي التَّفْصِيلِ، وَلَا تُشْكِلُ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي قِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا فِيمَا طُبِعَ أَوْ هُيِّئَ مِنْهُمَا لِذَلِكَ كَالْإِنَاءِ الْمُهَيَّأِ مِنْهُمَا لِلْبَوْلِ فِيهِ.
وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ ثَمَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِجْزَاءِ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ تَعْبِيرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ثَمَّ بِالْجَوَازِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُجِيبِ عَلَى مَا طُبِعَ أَوْ هُيِّئَ لِذَلِكَ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ، وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ (أَوْ كَبِيرَةً لَهَا) أَيْ لِلْحَاجَةِ (كُرِهَ) ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مَحَلَّ الِاسْتِعْمَالِ لِلزِّينَةِ فِي الْأُولَى وَلِلْكِبَرِ فِي الثَّانِيَةِ وَجَازَ لِلصِّغَرِ فِي الْأُولَى،
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَكَتَبَ ع ش عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَالْحِيلَةُ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَمْنَعُ حُرْمَةَ الِاسْتِعْمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّطَيُّبِ مِنْهُ لَا بِالنِّسْبَةِ لِاِتِّخَاذِهِ، وَجَعْلِ الطِّيبِ فِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ بِالْأَخْذِ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُ الْحِيلَةِ بِحَالَةِ التَّطَيُّبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ.
وَفُهِمَ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِعْمَالِ حُرْمَةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّنْعَةِ، وَعَدَمُ الْغُرْمِ عَلَى الْكَاسِرِ كَآلَةِ اللَّهْوِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمُنْكَرَ ز ي، وَيُرَاعَى فِي كَسْرِهِ مَا فِي كَسْرِ الْآلَاتِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ وَعَيْنُ الذَّهَبِ أَيْ: ذَاتُهُ لَيْسَتْ وَصْفًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِكَوْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً. (قَوْلُهُ مَعَ الْخُيَلَاءِ) أَيْ: التَّفَاخُرِ وَالتَّعَاظُمِ فَهُوَ أَيْ: النَّهْيُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدِيًّا ح ل، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ صَدِئَ إنَاءُ الذَّهَبِ بِحَيْثُ سَتَرَ الصَّدَأُ جَمِيعَ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لِفَوَاتِ الْخُيَلَاءِ. ز ي نَعَمْ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْمُمَوَّهِ بِنَحْوِ نُحَاسٍ شَرْحُ. م ر (قَوْلُهُ لَا تَشْرَبُوا) قَدَّمَ الشُّرْبَ فِي الْحَدِيثِ لِكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ. ع ش.
(قَوْلُهُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ) الْإِنَاءُ يَشْمَلُ وَاسِعَ الرَّأْسِ وَضَيِّقَهُ، وَالصَّحْفَةَ: مَا كَانَتْ وَاسِعَةَ الرَّأْسِ وَخَصَّ الشُّرْبَ بِالْآنِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالشُّرْبِ مِنْ كُلِّ آنِيَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ ضَيِّقَةَ الرَّأْسِ أَوْ وَاسِعَتَهُ وَلَا يَأْكُلُونَ إلَّا مِنْ وَاسِعِ الرَّأْسِ. اهـ شَيْخُنَا ح ف وَالْآنِيَةُ جَمْعُ إنَاءٍ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، وَأَوَانِي: جَمْعُ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ فِي صِحَافِهَا) أَيْ: الصِّحَافِ مِنْ الْآنِيَةِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ. (قَوْلُهُ بِمَا فِيهِ) أَيْ: عَلَى مَا فِيهِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى (قَوْلُهُ كَمُضَبَّبٍ إلَخْ) أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ مُضَبَّبٌ إلَخْ ع ش فَهُوَ تَنْظِيرٌ فِي الْحُكْمِ لَا قِيَاسٌ لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ.
(قَوْلُهُ وَضَبَّةُ الْفِضَّةِ كَبِيرَةٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمِثْلُ الضَّبَّةِ تَسْمِيرُ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِنَاءِ لَا طَرْحُهَا فِيهِ فَيَحِلُّ بِلَا كَرَاهَةٍ الشُّرْبُ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْرُمُ شُرْبُهُ، وَفِي فِيهِ نَحْوُ فِضَّةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا انْبَهَمَ مَا لِلْحَاجَةِ صَارَتْ كَأَنَّهَا كُلُّهَا لِزِينَةٍ؛ ح ل فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ فِيمَا إذَا صَغُرَ مَا لِلزِّينَةِ بِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ جَائِزًا فَضَمُّهُ إلَى جَائِزٍ مِثْلِهِ، وَهُوَ مَا لِلْحَاجَةِ كَيْفَ يُحَرِّمُهُ؟ فَلَوْ تَمَيَّزَ مَا لِلزِّينَةِ وَكَانَ صَغِيرًا جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ: كَمَا أَفَادَهُ تَقْيِيدُ ضَبَّةِ الْفِضَّةِ، وَعَدَمُ تَقْيِيدِ ضَبَّةِ الذَّهَبِ ع ش (قَوْلُهُ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ) أَيْ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَقَوْلُهُ فِي قِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَيْ: لَمْ تُطْبَعْ وَلَمْ تُهَيَّأْ لِلِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ إنَاءً، وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَقَوْلُهُ أَوْ هُيِّئَ أَيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَطْبُوعًا كَأَنْ أَعَدَّ قِطْعَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِلِاسْتِنْجَاءِ مِنْ غَيْرِ طَبْعٍ وَقَوْلُهُ لِذَلِكَ أَيْ: لِلِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْرُمُ، وَكَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ قَوْلِهِ وَلَا تُشْكِلُ حُرْمَةٌ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ كَمُضَبَّبٍ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ بِالتَّسْلِيمِ أَيْ: تَسْلِيمِ قَوْلِ الْمُسْتَشْكِلِ يَحِلُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِمَا لَكِنْ مَعَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْمُنْطَبِعِ وَالْمُهَيَّأِ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي بِالْمَنْعِ أَيْ: مَنْعِ قَوْلِهِ بِحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ فَيَقُولُ هَذَا الْمُجِيبُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حَلَالٌ بَلْ هُوَ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُمْ هُنَاكَ فِي الْإِجْزَاءِ، وَهُوَ بِجَامِعِ الْحُرْمَةِ. وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُجِيبِ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ بَلْ مَا هُنَا، وَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي حُرْمَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ يُنَافِيهِ ظَاهِرٌ إلَخْ أَيْ: فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا ذَكَرَ انْتَفَتْ الْمُنَافَاةُ لَكِنَّهُ بَعْدَ الْحَمْلِ يَرْجِعُ لِلْجَوَابِ الْأَوَّلِ؛ فَيَكُونُ بِالتَّسْلِيمِ أَيْضًا بَلْ هُوَ عَيْنُهُ فِي الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ كَلَامُ الْمُجِيبِ أَيْ: الْمُصَرِّحُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَقَوْلُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ أَيْ: الْمُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ وَإِنَّمَا قَالَ: ظَاهِرُ تَعْبِيرِ إلَخْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِجْزَاءُ ح ل.
(قَوْلُهُ أَوْ كَبِيرَةٍ لَهَا) وَلَوْ عَمَّتْ جَمِيعَ الْإِنَاءِ. س ل (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ إلَخْ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ. (قَوْلُهُ فِي الْأُولَى) أَيْ: بِشِقَّيْهَا وَالثَّانِيَةُ: هِيَ قَوْلُهُ: أَوْ كَبِيرَةٍ لَهَا كُرِهَ. ع ش (قَوْلُهُ وَلِلْكِبَرِ فِي الثَّانِيَةِ) تَعْلِيلٌ لِخُصُوصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute