فَأَوَّلُهُ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ) فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِلرُّخْصَةِ طُولُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِيهِ تَرَخُّصٌ وَإِلَّا فَلَا وَأُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا غَرَضٍ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
(وَ) ثَالِثُهَا: (قَصْدُ مَحَلٍّ مَعْلُومٍ) وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ (أَوَّلًا) لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَقْصُرُ فِيهِ وَتَعْبِيرِي بِمَعْلُومٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ حِينِ تَوْبَتِهِ بَلْ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ كَذَا فِي شَرْحِ م ر وَقَوْلُهُ: حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ أَيْ: بِسَلَامِ الْإِمَامِ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَرَخَّصُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إدْرَاكُهَا. .
اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: مَحَلُّ تَوْبَتِهِ) أَيْ: بَعْدَ مُجَاوَزَةِ مَا تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَتُهُ أَوَّلًا شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ) فِيهِ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ لَيْسَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ لِجَوَازِهِ لِلْمُقِيمِ. وَأَجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ وُجُودَهُ فِي السَّفَرِ عُدَّ مِنْ رُخَصِهِ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إلَخْ) هَذَا سَفَرُ مَعْصِيَةٍ فَمَا وَجْهُ الْإِلْحَاقِ؟ . اهـ. سم أَقُولُ: وَجْهُ الْإِلْحَاقِ أَنَّ الْغَرَضَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى السَّفَرِ لَيْسَ مَعْصِيَةً، وَلَكِنَّهُ صَيَّرَهُ مَعْصِيَةً مِنْ حَيْثُ إتْعَابُهُ الدَّابَّةَ فِي السَّيْرِ بِلَا غَرَضٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَعْصِيَةِ فِي السَّفَرِ لِأَنَّ السَّفَرَ نَفْسَهُ مُحَرَّمٌ الْآنَ فَالْتَحَقَ بِالسَّفَرِ الَّذِي سَبَبُهُ مَعْصِيَةٌ. اهـ. ع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَمَا هُنَا الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَالتِّجَارَةِ لَكِنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ بِالرَّكْضِ فِي سَيْرِهِ لِذَلِكَ الْغَرَضِ فَكَانَ فِعْلُهُ هَذَا كَفِعْلِ الْعَاصِي فِي السَّفَرِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ عَاصِيًا بِنَفْسِ هَذَا الرَّكْضِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ أُلْحِقَ بِالْعَاصِي بِالسَّفَرِ اهـ بِالْحَرْفِ.
(قَوْلُهُ: قَصْدُ مَحَلٍّ مَعْلُومٍ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ فَلَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيمَا بَقِيَ لِقَصْدِهِ أَوَّلًا مَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ مُتَأَهِّلًا لَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ: مَحَلٌّ مَعْلُومٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ بَلْ جَعَلَهُ مُبْهَمًا فِي مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ لَا يُنَافِي الْعِلْمَ وَإِنَّمَا يُنَافِي التَّعْيِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومَ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ حَتَّى لَا يَكُونَ حِينَئِذٍ فَرْقٌ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِمَعْلُومٍ وَمُعَيَّنٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْرَاكُ فِي كَلَامِهِ لَا مَحَلَّ لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ لَا يَشْمَلُ الِاسْتِدْرَاكَ وَيَكُونُ الْهَائِمُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْصِدُ مَحَلًّا مِنْ الْمَحَالِّ لَا مُعَيَّنًا وَلَا مُبْهَمًا وَمَنْ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْمَرْحَلَتَيْنِ كَانَ لَهُ الْقَصْرُ فَرَجَعَ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعِلْمِ بِطُولِ السَّفَرِ مَعَ وُجُودِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَحَلًّا مَعْلُومًا وَلَا مُعَيَّنًا تَأَمَّلْ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ كَذَا فِي ح ل وَقَرَّرَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: مَعْلُومٌ أَيْ: بِالْمَسَافَةِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُهُ إلَّا فِي مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بَلَدًا كَنَاحِيَةِ الصَّعِيدِ، أَوْ الشَّامِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِبَلْدَةٍ فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي بِقَوْلِهِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ إلَخْ لِأَنَّهُ عَيْنُ هَذَا التَّقْرِيرِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ مَعْلُومٌ بِالْمَسَافَةِ اهـ فَقَوْلُ ح ل وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومَ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَعَ أَنَّهُ يُنَافِي كَلَامَهُ أَوَّلًا.
(قَوْلُهُ: أَوَّلًا) يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْ قَصَدَ وَمَعْلُومٌ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَشْهَدُ لِكُلٍّ فَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ: فِي الِاسْتِدْرَاكِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا، وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي قَوْلُهُ: فِي التَّعْلِيلِ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا أَوَّلًا أَيْ: فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوَّلًا بَلْ قَصَدَهُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ قَصَرَ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَا يَقْصُرُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَعِبَارَةُ م ر وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا عَنْ الدَّوَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَى مَسَافَةَ قَصْرٍ أَيْ: بِأَنْ قَصَدَ سَيْرَ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ الْمَحَلَّ الَّذِي يَصِيرُ بِمُجَاوَزَتِهِ مُسَافِرًا نَوَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ، أَوْ يُقِيمَ فِي طَرِيقِهِ، وَلَوْ بِمَحَلٍّ قَرِيبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى وُجُودِ غَرَضِهِ، أَوْ دُخُولِهِ ذَلِكَ الْمَحَلَّ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ مُسْتَمِرًّا إلَى وُجُودِ مَا غَيَّرَ النِّيَّةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يُقَالُ: قِيَاسُ مَنْعِهِمْ تَرَخُّصَ مَنْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى إقَامَةً بِمَحَلٍّ قَرِيبٍ لِأَنَّا نَقُولُ: النَّقْلُ لِمَعْصِيَةٍ يُنَافِي الرُّخَصَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ هَذَا وَلَوْ سَافَرَ سَفَرًا قَصِيرًا ثُمَّ نَوَى زِيَادَةَ الْمَسَافَةِ فِيهِ إلَى صَيْرُورَتِهِ طَوِيلًا فَلَا تَرَخُّصَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلِّ نِيَّتِهِ إلَى مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ قَصْرٍ وَيُفَارِقُ مَحَلَّهُ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ بِالنِّيَّةِ وَيَصِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ مُنْشِئَ سَفَرٍ جَدِيدٍ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرِ قَصْرٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ فَلَا قَصْرَ لَهُ لِانْقِطَاعِ كُلِّ سُفْرَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute