للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِسْرَاعُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَجِبُ الْإِسْرَاعُ إذَا لَمْ تُدْرَكْ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهِ

(وَ) سُنَّ (اشْتِغَالٌ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورُهُ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَنَالَ ثَوَابَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَظِيمِ (وَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ) لِلْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَيَزِيدُ الْإِمَامُ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ (وَالْبِيضُ) مِنْهَا (أَوْلَى) مِنْ زِيَادَتِي لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ.

وَيَلِي الْبِيضُ مَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجِهِ (وَ) تَزَيُّنٌ (بِتَطَيُّبٍ) لِذِكْرِهِ فِي خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ السَّابِقِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْإِسْرَاعُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ يَضِيقُ الْوَقْتُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ يَجِبُ الْإِسْرَاعُ) وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ م ر وَقَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَرْكُوبًا لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ لِبَاسًا أَوْ قَائِدًا كَذَلِكَ سَقَطَتْ الْجُمُعَةُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَ الْإِسْرَاعَ لِلْعِبَادَةِ نَقْصًا فَلَا يُقَالُ إنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ بَلْ لَائِقٌ بِهِ لِقَصْدِهِ الْعِبَادَةَ ع ش

(قَوْلُهُ وَتَزَيُّنٌ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ) وَالتَّزَيُّنُ مُخْتَصٌّ بِمُرِيدِ الْحُضُورِ كَالْغُسْلِ وَمُخْتَصٌّ أَيْضًا بِالذَّكَرِ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَلَوْ عَجُوزًا فَيُكْرَهُ لَهَا التَّطَيُّبُ وَالزِّينَةُ بِفَاخِرِ الثِّيَابِ عِنْدَ إرَادَتِهَا حُضُورِهَا نَعَمْ يُسَنُّ لَهَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَإِنْ اُسْتُحِبَّتْ لِكُلِّ حَاضِرِ جَمْعٍ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ آكَدُ اسْتِحْبَابًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ) وَلَفْظُهُ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» شَرْحُ م ر

(قَوْلُهُ وَالْبِيضُ أَوْلَى) أَصْلُهُ بَيْضٌ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فَكُسِرَتْ الْبَاءُ لِأَجْلِ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ

فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرَ وَحُمْرَا

وَقَالَ أَيْضًا:

وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ كَمَا ... يُقَالُ هِيمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا

وَقَوْلُهُ أَوْلَى وَكَوْنُهَا جَدِيدَةً أَوْلَى إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلَّا فَمَا قَرُبَ مِنْ الْجَدِيدَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَالْأَكْمَلُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بِيضًا وَإِلَّا فَأَعْلَاهُمَا فَإِنْ كَانَ أَسْفَلُهَا فَقَطْ لَمْ يَكْفِ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا بِغَيْرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَالْوَحْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ خَشِيَ تَلْوِيثَهَا وَهَلْ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مَغْصُوبًا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْحُصُولُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ لُبْسِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْوُضُوءُ وَإِنْ عُوقِبَ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ فَهَلْ يُرَاعِي الْجُمُعَةَ فَيُقَدِّمُ الْأَبْيَضَ أَوْ الْعِيدَ فَالْأَغْلَى أَوْ يُرَاعِي الْجُمُعَةَ وَقْتَ إقَامَتِهَا فَيُقَدِّمُ الْأَبْيَضَ حِينَئِذٍ وَالْعِيدَ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ فَيُقَدِّمُ الْأَغْلَى فِيهَا؟ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ أَنَّهُ لَوْ رُوعِيَتْ الْجُمُعَةُ رُوعِيَتْ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ وَقَدْ تُرَجَّحُ مُرَاعَاةُ الْعِيدِ مُطْلَقًا إذْ الزِّينَةُ فِيهِ آكَدُ مِنْهَا فِي الْجُمُعَةِ وَلِهَذَا يُسَنُّ الْغُسْلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَلْيُتَأَمَّلْ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ

قَوْلُهُ لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ» أَيْ ذَا الْبَيَاضِ وَالْبَسُوا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ إذَا كَانَ فِي الْأَجْرَامِ كَمَا هُنَا وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا كَانَ فِي الْمَعَانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩] وَقَوْلِهِ {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ الْمُدَّعَى وَزِيَادَةٌ فَإِنْ قُلْت صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَأَنَّهُ خَطَبَ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ شُقَّةٌ سَوْدَاءُ» وَفِي أُخْرَى عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ «كَانَ لَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ» وَفِي أُخْرَى لِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ «عَمَّمَ عَلِيًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْسَلَهُ إلَى خَيْبَرَ» وَنُقِلَ لُبْسُ السَّوَادِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قُلْت هَذِهِ كُلُّهَا وَقَائِعُ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ فَقُدِّمَ الْقَوْلُ وَهُوَ الْأَمْرُ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لُبْسُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ فِي نَحْوِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَرْهَبُ وَفِي لُبْسِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مِلَّتَهُ لَا تَتَغَيَّرُ إذْ كُلُّ لَوْنٍ غَيْرَهُ يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ وَفِي الْعِيدِ لِأَنَّ الْأَرْفَعَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَيَاضِ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَنْ حَجّ

(قَوْلُهُ مَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجِهِ) أَمَّا مَا صُبِغَ مَنْسُوجًا فَقَدْ ذَهَبَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ ذَلِكَ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلْبَسْهُ وَعَلَّلَهُ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ مِنْ الصَّبْغِ فَيُشَوِّهُ الْبَدَنَ هَذَا وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ كَرَاهَةِ لُبْسِهِ ح ل (قَوْلُهُ وَبِتَطَيُّبٍ) أَيْ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَصَائِمٍ وَامْرَأَةٍ تُرِيدُ الْحُضُورَ وَلَوْ عَجُوزًا وَانْظُرْ حِكْمَةَ إعَادَةِ الْعَامِلِ وَهُوَ الْبَاءُ فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ وَهَلَّا تَرَكَهَا كَمَا فِي غَيْرِهَا. وَأَقُولُ لَوْ تَرَكَهَا لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بُكُورٍ أَيْ وَسُنَّ بُكُورٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>