للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْإِمَامُ فَيُسَنُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ وَالْبُكُورُ يَكُونُ (مِنْ) طُلُوعِ (فَجْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا وَبِهِ يَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ لَفْظُ الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَقَوْلِي لِغَيْرٍ إمَام إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي

. (وَ) سُنَّ (ذَهَابٌ) إلَيْهَا (فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ مَاشِيًا) لَا رَاكِبًا إلَيْهَا (بِسَكِينَةٍ وَرُجُوعٍ فِي) آخَرَ (قَصِيرٍ) مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا كَمَا فِي الْعِيدِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَذِكْرُهُمَا مِنْ زِيَادَتِي وَلِلْحَثِّ عَلَى الْمَشْيِ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ فِي السَّكِينَةِ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مَنْ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] أَيْ امْضُوا كَمَا قُرِئَ بِهِ (إلَّا لِعُذْرٍ) فِي الْمَذْكُورَاتِ مِنْ زِيَادَتِي.

بِأَنْ يَشُقَّ الْبُكُورُ أَوْ الذَّهَابُ أَوْ الرُّجُوعُ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ الْمَشْيُ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَالرُّكُوبُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ شَوْبَرِيُّ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْخُطْبَةُ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْإِمَامُ إلَخْ) وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ السَّلَسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى الْقُطْنَةِ وَالْعِصَابَةِ ع ش عَلَى م ر

(قَوْلُهُ فَيُسَنُّ لَهُ التَّأْخِيرُ) وَحِكْمَتُهُ قُوَّةُ الْهَيْبَةِ فِيهِ وَتَشَوُّفُ النَّاسِ إلَيْهِ ق ل (قَوْلُهُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ) وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْبُكُورُ بِلَا غُسْلٍ وَالتَّأْخِيرُ مَعَ الْغُسْلِ فَالثَّانِي أَفْضَلُ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَانْظُرْ لَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلَ الْغُسْلِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْبُكُورِ لِفَوَاتِ مَا ذُكِرَ شَوْبَرِيُّ وَفِي ع ش عَلَى م ر وَإِذَا تَعَارَضَ التَّبْكِيرُ وَالتَّيَمُّمُ قُدِّمَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا قُدِّمَ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ أَمَّا التَّيَمُّمُ فَفِي سَنِّهِ خِلَافٌ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَنِّهِ

(قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ إلَخْ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلرُّجُوعِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» وَعَلَيْهِ فَالْفُقَهَاءُ ارْتَكَبُوا فِيهِ مَجَازَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الذَّهَابِ وَفِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ رَشِيدِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ لِصَلَاةٍ يُؤْتَى بِهَا مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ لَكِنْ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُجَاوِرِ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَانِ عَلَى السَّبَبِ كَمَا لَا يَخْفَى أَفَادَهُ شَيْخُنَا وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ اسْتِعَارَةً مُصَرِّحَةً حَيْثُ أُطْلِقَ الرَّوَاحُ الْمُجَاوِرَ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَنِ وَهُوَ الْجُمُعَةُ عَلَى الذَّهَابِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي أَنَّهُ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَاسْتُعِيرَ اسْمُهُ لَهُ وَهُوَ الرَّوَاحُ

(قَوْلُهُ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ) وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ لِمَنْ يُجْهِدُهُ الْمَشْيُ لِهَرَمٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ بُعْدِ مَنْزِلٍ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مَا يَنَالُهُ مِنْ التَّعَبِ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ عَاجِلًا، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الرُّكُوبِ هُنَا إلَّا لِعُذْرٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فِي الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ بَلْ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَمَا قَالَهُ حَجّ أَيْ مَا عَدَا النُّسُكَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الرُّكُوبَ فِيهِ أَفْضَلُ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ لَا رَاكِبًا) ذَكَرَهُ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَجَوَّزُ فِي الْمَشْيِ بِمَا يَشْمَلُ الرُّكُوبَ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الذَّهَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: ١٥] لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَذَهَابُهُ وَقَوْلُهُ إلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَاشِيًا وَذَكَرَهُ ثَانِيًا لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ إنَّمَا يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ بِهِ كَوْنَهُ لِلْجُمُعَةِ شَيْخُنَا وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ فَهِمَ بَعْضٌ أَنَّ إلَيْهَا مُسْتَدْرَكٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إلَيْهَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ كَوْنُ الْمَشْيِ إلَيْهَا أَيْ فَلَا يَصْرِفُهُ لِغَرَضٍ آخَرَ فَمَحِلُّ الثَّوَابِ حَيْثُ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لَا غَيْرَهَا

(قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعِيدِ فِي الذَّهَابِ) فِي الطَّوِيلِ وَالرُّجُوعِ فِي الْقَصِيرِ وَفِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْحُكْمُ مَشْهُورٌ فِيهِ فَكَأَنَّهُ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ) وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِثُبُوتِهِمَا بِالنَّصِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُمُعَةِ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا الْمَشْيُ فِي الذَّهَابِ فَسَيَذْكُرُ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ غَيْرَ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ) هِيَ التَّأَنِّي فِي الْمَشْيِ وَالْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ كَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَيُطْلَبُ ذَلِكَ لِلرَّاكِبِ فِيهِ وَفِي دَابَّتِهِ وَيُرَادِفُهَا الْوَقَارُ كَمَا فِي ق ل قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَالسَّكِينَةُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ الْزَمُوا السَّكِينَةَ وَرُوِيَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَفِي إدْخَالِ الْبَاءِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: ١٠٥] اهـ فَتَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) وَهِيَ الْبُكُورُ وَالذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ الذَّهَابُ فِي الطَّوِيلِ وَالرُّجُوعُ فِي الْقَصِيرِ وَهِيَ أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ أَوْ الْمَشْيُ أَوْ يَضِيقُ الْوَقْتُ فَفِي كَلَامِهِ خَمْسُ صُوَرٍ، وَقَوْلُهُ وَالرُّكُوبُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ الْمَشْيُ وَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>