للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ فَاعِلُ الْمَطَرِ حَقِيقَةً فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لَهُ حَقِيقَةً كَفَرَ

(وَ) كُرِهَ (سَبُّ رِيحٍ) لِخَبَرِ «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أَيْ رَحْمَتِهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

(وَسُنَّ إنْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ مَطَرٍ) بِتَثْلِيثِ الْكَافِ (أَنْ يَقُولُوا) كَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْ اجْعَلْ الْمَطَرَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي لَا فِي الْأَبْنِيَةِ وَنَحْوِهَا وَالْآكَامُ بِالْمَدِّ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَامٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَهِيَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا وَالظِّرَابُ جَمْعُ ظَرِبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَوْضِعِ. ثُمَّ إنَّ النَّجْمَ نَفْسَهُ قَدْ يُسَمَّى نَوْءًا تَسْمِيَةً لِلْفَاعِلِ وَهُوَ النَّجْمُ السَّاقِطُ بِالْمَصْدَرِ وَعِبَارَةُ م ر وَالنَّوْءُ سُقُوطُ نَجْمٍ مِنْ الْمَنَازِلِ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْفَجْرِ وَطُلُوعُ رَقِيبِهِ مِنْ الْمَشْرِقِ مُقَابِلُهُ فِي سَاعَتِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهَكَذَا كُلُّ نَجْمٍ إلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ مَا خَلَا الْجَبْهَةَ فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

(قَوْلُهُ: لِإِيهَامِهِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَحْذُوفٌ وَنَائِبَهُ ضَمِيرُ مُطِرْنَا وَبِنَوْءٍ ظَرْفٌ لَغْوٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِإِيهَامِ السَّبَبِيَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفَاعِلِ ق ل قَالَ الْعَلَّامَةُ سم: لَك أَنْ تَقُولَ سَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ تَحْرِيمُ بِاسْمِ اللَّه وَاسْمِ مُحَمَّدٍ لِإِيهَامِ التَّشْرِيكِ فَتُشْكِلُ الْحُرْمَةُ هُنَاكَ لَا هُنَا.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْإِيهَامَ هُنَاكَ أَشَدُّ لِمَزِيدِ عَظَمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى النَّوْءِ فَتَوَهُّمُ تَأْثِيرِهِ أَقْوَى مِنْ تَوَهُّمِ تَأْثِيرِ النَّوْءِ وَبِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ مُتَعَلِّقِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَعْنِي ذَبْحًا فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمُتَعَلِّقِ لِلْمُتَعَاطِفَيْنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْأَصْلِ وَلَيْسَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا أَنَّ النَّوْءَ فَاعِلٌ حَقِيقَةً بَلْ الْمُتَبَادَرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ مُطِرْنَا مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مَذْكُورٍ مُطْلَقًا، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ الْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ هُوَ النَّوْءَ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ فَاعِلٌ

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ سَبُّ رِيحٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَادَةً أَوْ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ لَكِنَّ السَّبَّ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ لِغَيْرِ الْمُعْتَادَةِ خُصُوصًا إذَا شَوَّشَتْ ظَاهِرًا عَلَى السَّابِّ، وَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِذَلِكَ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الَّتِي تَأْتِي بِالْعَذَابِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أَيْضًا ز ي وَشَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ أَيْ مِنْ حَيْثُ مَا يَظْهَرُ لَنَا وَإِلَّا فَهِيَ رَحْمَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا

. (قَوْلُهُ: حَوَالَيْنَا) مُثَنَّى مُفْرَدُهُ حَوَالٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي تَحْرِيرِهِ وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ مُفْرَدٌ فَلْيُحَرَّرْ، فَيَكُونُ عَلَى صُورَةِ الْمُثَنَّى وَكَتَبَ أَيْضًا حَوَالَيْنَا بِفَتْحِ اللَّام وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرِهِ اجْعَلْهُ أَوْ أَمْطِرْ وَالْمُرَادُ بِهِ صَرْفُ الْمَطَرِ عَنْ الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ وَقَوْلُهُ وَلَا عَلَيْنَا بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ حَوَالَيْنَا؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الطُّرُقَ الَّتِي تَجْمَعُ حَوْلَهُمْ فَأَرَادَ إخْرَاجَهَا بِقَوْلِ وَلَا عَلَيْنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي إدْخَالِ الْوَاوِ هُنَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَكَانَ مُسْتَسْقِيًا لِلْآكَامِ وَمَا مَعَهَا فَقَطْ، وَدُخُولُ الْوَاوِ يَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِيَكُونَ وِقَايَةً مِنْ أَذَى الْمَطَرِ فَلَيْسَتْ الْوَاوُ مُخَلِّصَةً لِلْعَطْفِ وَلَكِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا، فَإِنَّ الْجُوعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ لِكَوْنِهِ مَانِعًا عَنْ الرَّضَاعِ بِأُجْرَةٍ إذْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ تَكَبُّرًا اهـ فَتْحُ الْبَارِي شَوْبَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: وَدُخُولُ الْوَاوِ يَقْتَضِي إلَخْ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِحَوَالَيْنَا الْآكَامُ وَالظِّرَابُ وَبِلَا عَلَيْنَا بُعْدُهُ عَنْ الْأَبْنِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ حَتَّى عَلَى الزَّرْعِ

فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَضَرُّرَهُمْ بِكَثْرَتِهِ عَلَى الْأَبْنِيَةِ فَقَطْ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُرَادَ حِينَئِذٍ بِلَا عَلَيْنَا مَا عَدَا الْأَبْنِيَةَ فَيَكُونُ شَامِلًا لِلزُّرُوعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ وَلَا عَلَيْنَا أَفَادَتْ الْوَاوُ أَنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ حَوَالَيْنَا الْقَصْدُ مِنْهُ بِالذَّاتِ وِقَايَةُ أَذَاهُ فَفِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ اجْعَلْهُ حَوَالَيْنَا لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْنَا وَفِيهِ تَعْلِيمُنَا أَدَبَ الدُّعَاءِ حَيْثُ لَمْ نَدْعُ بِرَفْعِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ لِاسْتِمْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَوْدِيَةِ وَالْمَزَارِعِ فَطُلِبَ مَنْعُ ضَرَرِهِ وَبَقَاءُ نَفْعِهِ وَإِعْلَامُنَا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أَنْ لَا يَسْخَطَ لِعَارِضٍ قَارَنَهَا بَلْ يَسْأَلَ اللَّهَ رَفْعَهُ وَإِبْقَاءَهَا وَبِأَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الضَّرَرِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالتَّفْوِيضَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالظِّرَابِ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ (قَوْلُهُ: وَالْآكَامِ) بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ جَمْعُ إكَامٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ جَمْعُ أَكَمَةٍ كَشَجَرَةٍ وَشَجَرٍ وَنَظِيرُهُ جَمْعُ ثَمَرَةٍ عَلَى ثَمَرٍ كَشَجَرَةٍ وَشَجَرٍ وَجَمْعُ ثَمَرٍ عَلَى ثِمَارٍ كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ وَجَمْعُ ثِمَارٍ عَلَى ثُمُرٍ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَجَمْعُ ثَمَرٍ عَلَى أَثِمَار كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي شَرْحِ بَانَتْ سُعَادُ وَلَا أَعْرِفُ لَهُمَا نَظِيرًا فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: جَمْعُ أَكَمَةٍ فَيَكُونُ مَدْلُولُ أُكُمٍ ثَلَاثُ أَكَمْاتِ وَإِذَا جُمِعَ أَكَمٌ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى إكَامٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ يَكُونُ مَدْلُولُهُ تِسْعًا لِأَنَّ مَدْلُولَ وَاحِدِهِ وَهُوَ أَكَمٌ ثَلَاثٌ وَإِذَا جُمِعَ إكَامٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>