للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» «وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَقِيسَ بِالْحَجَرِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَالْمَدْبُوغُ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ وَخَرَجَ بِالْمُلَوَّثِ غَيْرُهُ كَدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، أَوْ تَجْفِيفِهَا لَكِنَّهُ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَبِزِيَادَتِي لَا مَنِيٍّ الْمَنِيُّ فَكَذَلِكَ لِذَلِكَ وَبِالْجَامِدِ الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسُ كَبَعْرٍ وَبِالْقَالِعِ غَيْرُهُ كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسُ وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَفِي الْقَامُوسِ الْخَزَفُ مُحَرَّكَةٌ الْجَرَرُ وَكُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ طِينٍ وَشُوِيَ بِالنَّارِ حَتَّى يَكُونَ فَخَّارًا، وَقَالَ فِي بَابِ الرَّاءِ الْجُرُرُ جَمْعُ جَرَّةٍ كَالْجِرَارِ اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى جَوَازِهِ وَبِالثَّانِي عَلَى وُجُوبِهِ بِالْأَمْرِ، وَالثَّالِثِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَقْصِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْعَدَدَ غَيْرُ مُدَّعًى هُنَا حَتَّى يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بَلْ ادَّعَاهُ فِيمَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ وَيَمْسَحُ ثَلَاثًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْعَدَدِ فَهُوَ حَاصِلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ جَوَّزَهُ بِالْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَرَ بِهِ إلَخْ، عَامٌّ لَنَا وَلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ؛ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، أَيْ لَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ؛ فَلِذَا أَتَى بِالثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَنَهَى إلَخْ، لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: جَوَّزَهُ حَيْثُ فَعَلَهُ) فِيهِ أَنَّ فَضَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَاهِرَةٌ وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ رَأَيْت سم قَالَ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي حَقِّ غَيْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ فَضَلَاتِهِ طَاهِرَةٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ لِلتَّنَزُّهِ وَبَيَانِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَقَوْلُهُ: جَوَّزَهُ أَيْ شَرَعَهُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ مَا قَابَلَ الِامْتِنَاعَ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ. (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَمْرٍ فَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ وَقِيلَ إنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِهِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا رَوَاهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِالْحَجَرِ غَيْرُهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفَارَقَ تَعَيُّنَ الْحَجَرِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ بِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْإِنْقَاءُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْحَجَرِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ ح ل، وَفِي كَوْنِ هَذَا مِنْ الرُّخَصِ نَظَرٌ إذْ يُعْتَبَرُ فِيهَا تَغْيِيرُ الْحُكْمِ إلَى سُهُولَةٍ لِأَجْلِ عُذْرٍ وَهُنَا لَا عُذْرَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ إذْ يَجُوزُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَا سُهُولَةَ أَيْضًا لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ وُجُوبٍ إلَى وُجُوبٍ فَإِنْ قُلْت الْوُجُوبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَسْهَلُ مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَتُهُ لِغَرَضِ النَّفْسِ قُلْنَا النَّفْسُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَمْيَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالرُّخْصَةِ غَيْرَ مَعْنَاهَا الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مُطْلَقُ السُّهُولَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَدْبُوغُ انْتَقَلَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُعَدُّ مَطْعُومًا، وَإِنْ جَازَ أَكْلُهُ اتِّفَاقًا فِي الْمُذَكَّاةِ وَعَلَى الْجَدِيدِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَيْتَةِ أَيْ مَيْتَةِ الْمُذَكَّاةِ وَالْمُفْتَى بِهِ حُرْمَةُ أَكْلِ الْمَدْبُوغِ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ مَيْتَةَ الْمَأْكُولِ عِنْدَ شَيْخِنَا كَابْنِ حَجَرٍ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ ح ل وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ: وَالْمَدْبُوغُ إلَخْ، جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ مَطْعُومٌ فَكَيْفَ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ) أَيْ صِفَتِهَا. (قَوْلُهُ: لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ مَقْصُودِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ بِالْمَاءِ أَوْ تَخْفِيفًا أَيْ بِالْحَجَرِ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ ح ل وَلَمْ يَرْجِعْ اسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ فَكَذَلِكَ لِلِاسْتِدْرَاكِ أَيْضًا أَعْنِي قَوْلَهُ لَكِنَّهُ يُسَنُّ لِيُفِيدَ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْمَنِيِّ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُسَنُّ غَسْلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الْغَسْلُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِنْجَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوجِبُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنِيُّ عَلَى الْفَرْجِ، أَوْ الثَّوْبِ، وَيُسَنُّ لَنَا غَسْلُهُ عَنْهُمَا مُرَاعَاةً لَهُ، وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ الَّذِي اعْتَمَدُوهُ فَلَا يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِسُنِّيَّةِ غَسْلِ الْمَنِيِّ مُرَاعَاةً لِخِلَافِهِ تَأَمَّلْ، وَقَالَ ع ش قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ لِذَلِكَ أَيْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ) وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ ذِي أَنَابِيبَ أَيْ عُقَدٍ فَشَمَلَ الْبُوصَ وَالذُّرَةَ وَالْخَيْزُرَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>