لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَبَيْنَ هَذَا الْمَسْجِدِ وَمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّخَرَاتِ نَحْوُ مِيلٍ (وَ) أَنْ (يُكْثِرُوا الذِّكْرَ) مِنْ تَهْلِيلٍ وَغَيْرِهِ (وَالدُّعَاءِ إلَى الْغُرُوبِ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» وَذَكَرَ الْإِكْثَارَ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرُ غَيْرُ التَّهْلِيلِ مِنْ زِيَادَتِي.
(ثُمَّ) بَعْدَ الْغُرُوبِ (يَقْصِدُوا مُزْدَلِفَةَ وَيَجْمَعُوا بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَأْخِيرًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ جَمَعَ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ، وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَيَذْهَبُونَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ.
(وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (وَهُوَ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ) وَلَوْ نَائِمًا، أَوْ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ، أَوْ نَحْوِهِ (بِعَرَفَةَ) أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهَا (بَيْنَ زَوَالٍ وَفَجْرٍ) يَوْمَ (نَحْرٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي خَبَرِهِ «وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» وَلِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَظَرٌ إذْ تَقْدِيرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفُوا فَلَوْ أَفْرَدَهُ فَقَالَ: وَيَقِفَ بِالنَّصْبِ لِعَطْفِهِ عَلَى يَخْطُبَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَامَ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ بِنَحْوِ يَخْطُبُ وَيَخْرُجُ وَعَمَّهُ وَغَيْرَهُ بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ بِنَحْوِ يَبِيتُوا وَيَقْصِدُوا بِأَنْ يُقَدَّرَ. وَسُنَّ لَهُمْ أَنْ يَبِيتُوا وَأَنْ يَقِفُوا كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ التَّقْدِيرُ يَدْفَعُهُ مَا تَقَرَّرَ الْمَعْلُومُ مِنْ صَنِيعِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ شَرْحُ حَجّ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيَبِيتُوا سم وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ اعْتَرَضَ قَوْلُهُ: يَقِفُوا بِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَخْطُبَ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْوُقُوفِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ الْوُقُوفَ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ: فَالْمُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْوُقُوفِ إلَى الْغُرُوبِ وَأَيْضًا فَوُجُوبُ أَصْلِ الْوُقُوفِ مَعْلُومٌ. اهـ. سم ز ي.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ وَأَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ: دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) أَيْ: وَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ فَيَنْبَغِي الْإِكْثَارُ مِنْهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ إكْثَارِ الذِّكْرِ وَذَكَرَهُ حَجّ بِقَوْلِهِ، وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ خَبَرَ «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَلْفَ مَرَّةً يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ» وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ إكْثَارِ الذِّكْرِ أَيْ: صَرِيحًا وَإِلَّا فَهُوَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته إلَخْ وَأَفْضَلِيَّتُهُ تَقْتَضِي الْإِكْثَارَ مِنْهُ خُصُوصًا يَوْمَ عَرَفَةَ فَفِيهِ الْمُدَّعِي وَزِيَادَةٌ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ نَحْوُ أَلْفِ ذِرَاعٍ. (قَوْلُهُ: وَفِي بَصَرِي) يَقُولُ ذَلِكَ وَلَوْ أَعْمَى ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقْصِدُوا مُزْدَلِفَةَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَسَافَةَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى فَرْسَخٌ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى كُلٍّ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى فَرْسَخٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ شَرْحُ م ر. وَمُزْدَلِفَةُ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمِنًى مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ
. (قَوْلُهُ: وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَأَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ:، أَوْ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ، أَوْ نَحْوِهِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ صَرْفَهُ الْوُقُوفَ لَا يَضُرُّ سم، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ وَأَلْحَقَ السَّعْيَ وَالرَّمْيَ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ عَهِدَ التَّطَوُّعَ بِنَظِيرِهِمَا كَالسَّعْيِ لِلْمَسَاجِدِ وَرَمْيِ الْعَدُوِّ بِالْأَحْجَارِ وَلَا كَذَلِكَ الْوُقُوفُ شَرْحُ حَجّ وَقَدْ يَدُلُّ اقْتِصَارُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ كَالْوُقُوفِ فَلْيُرَاجَعْ سم عَلَى حَجّ. (قَوْلُهُ: بِجُزْءٍ مِنْهَا) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مِنْ جُزْءٍ بِأَرْضِ عَرَفَةَ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْهَوَاءُ كَأَنْ مَرَّ بِهَا طَائِرًا، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمَسْجِدَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِخِلَافِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْسُ الْبُقْعَةِ وَلَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِأَنَّ لِهَوَائِهَا حُكْمَهَا، ثُمَّ رَأَيْت سم نَقَلَ عَنْ الشَّارِحِ عَدَمَ الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) صَدْرُهُ وَقَفْت هَاهُنَا وَعَرَفَةُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ع ش. (قَوْلُهُ: وَالْحَجُّ عَرَفَةَ) أَيِّ مُعْظَمُ الْحَجِّ عَرَفَةَ [فَرْعٌ] .
شَجَرَةٌ أَصْلُهَا بِعَرَفَةَ خَرَجَتْ أَغْصَانُهَا لِغَيْرِهَا هَلْ يَصِحُّ الْوُقُوفُ عَلَى الْأَغْصَانِ كَمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى أَغْصَانِ شَجَرَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَيَتَّجِهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ خَارِجًا وَأَغْصَانُهَا دَاخِلَةً فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَيَتَّجِهُ الصِّحَّةُ ابْنُ شَوْبَرِيٍّ أَيْ: قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ لَكِنْ فِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَعِبَارَتُهُ وُقُوفٌ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا بِأَرْضِهَا، أَوْ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهَا فِي هَوَائِهَا فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ طَائِرًا أَوْ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا فِيهَا دُونَ الْغُصْنِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ عَلَى قِطْعَةٍ نُقِلَتْ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا اهـ وَصَرَّحَ الزِّيَادِيُّ وَابْنُ شَرَفٍ بِأَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفُ عَلَى الْقِطْعَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا اج مَدَابِغِيٌّ فَلْيُحَرَّرْ. وَقَالَ ع ش: لَا يَكْفِي الْوُقُوفُ عَلَى الْغُصْنِ مُطْلَقًا وَلَا عَلَى الْقِطْعَةِ الْمَنْقُولَةِ وَاعْتَمَدَ ح ف كَلَامَ ع ش وَق ل. (قَوْلُهُ: مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ) هَذَا تَعْمِيمٌ فِي الزَّمَانِ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ تَعْمِيمٌ فِي الْمَكَانِ وَدَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِي إنَّمَا أَفَادَ نِهَايَةَ زَمَنِ الْوُقُوفِ وَأَمَّا مَبْدَؤُهُ فَأَفَادَهُ الِاتِّبَاعُ أَيْ: مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ كَمَا يَدُلُّ لَهُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا م ر، وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute