للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَمَّا نَحْوُ الْحَائِضِ فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَقِيسَ بِهَا النُّفَسَاءُ فَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ وَالطَّوَافُ، أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي. (وَيَجْبُرُ تَرْكَهُ) مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (بِدَمٍ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ الْمُتَحَيِّرَةَ (فَإِنْ عَادَ) بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طَوَافٍ (قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ وَطَافَ فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَكَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَقَوْلِي: وَطَافَ مِنْ زِيَادَتِي وَقَوْلِي: فَلَا دَمَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ (وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَوْ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ، أَوْ شُغْلِ سَفَرٍ) كَشِرَاءِ زَادٍ وَشَدِّ رَحْلٍ (أَعَادَ) الطَّوَافَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ

. (وَسُنَّ شُرْبُ مَاءٍ زَمْزَمَ) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْبِهِ (وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافَهُ وَذَلِكَ لِخَبَرِ «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْإِقَامَةَ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَنْ فَارَقَهَا لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ فِيمَا خَرَجَ لَهُ لَزِمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَفَصَّلَ فِيمَا دُونَهَا حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ إلَخْ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ) أَيْ: إلَى بَلَدِهِ أَيْ: أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ: بِأَنْ يَذْهَبَ إلَى مَكَّةَ لِأَجْلِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِهَا النُّفَسَاءُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَلَوْ رَجَعَتْ لِحَاجَةٍ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ اتَّجَهَ وُجُوبُ الطَّوَافِ اج. (قَوْلُهُ: فَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ) أَيْ: قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فِيمَا يَظْهَرُ إيعَابٌ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ إلَخْ) ، وَفِي تَرْكِ طَوْفَةٍ مِنْهُ، أَوْ بَعْضِهَا دَمٌ كَامِلٌ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ مُدٌّ كَتَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَةٍ، أَوْ حَصَاةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا أَشْبَهَ الصَّلَاةَ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ كَانَ كَالْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَأُلْحِقَ تَرْكُ بَعْضِهِ بِتَرْكِ كُلِّهِ وَلَا كَذَلِكَ ذَانِكَ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لحج. (قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ نُسُكًا) هَذَا وَاضِحٌ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَلَا تَحْسُنُ هَذِهِ الْعِلَّةُ ح ل فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا وَيَحْذِفُ نُسُكًا. (قَوْلُهُ: فَلَا دَمَ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَلَغَ مَنْزِلَهُ الَّذِي هُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِلَّا اسْتَقَرَّ بِبُلُوغِهِ الدَّمَ وَلَا يَسْقُطُ بِالْعَوْدِ كَمَا بَحَثَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ تَأَمَّلْ ابْنَ شَوْبَرِيٍّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ) لَا يُنَافِي التَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ تَسْوِيَتَهُمْ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ فِي وُجُوبِ الْوَدَاعِ إذْ سَفَرُهُ هُنَا لَمْ يَتِمَّ لِعَوْدِهِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ أَصْلِ الْعَوْدِ لَا فِي صِفَتِهِ وَإِلَّا فَالتَّقْيِيدُ بِالْعَوْدِ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ قَوْلِهِ أَمَّا إذَا عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا إثْمَ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ نَوَى الْعَوْدَ ع ش. (قَوْلُهُ: وَقَوْلِي فَلَا دَمَ أَوْلَى) لِإِيهَامِ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ وَجَبَ، ثُمَّ سَقَطَ ع ش.

(قَوْلُهُ: لَا لِصَلَاةٍ) أَيْ: صَلَاةِ جَمَاعَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ حَجّ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أُقِيمَتْ

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ إلَخْ) وَسُنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ شَرِبَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ نَيْلَ مَطْلُوبَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لِخَبَرِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» سَنَدُهُ صَحِيحٌ حَجّ فَإِنْ تَخَلَّفَ ذَلِكَ يَكُونُ لِعَدَمِ إخْلَاصِ نِيَّةِ الشَّارِبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَتَضَلَّعَ) أَيْ: يَمْتَلِئَ وَيُكْرَهُ نَفَسُهُ عَلَيْهِ ح ل. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافَهُ) حَيْثُ قَيَّدَ بِبُعْدِ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَجِّ وَبِكَوْنِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ حَرِّرْ ح ل. (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ وَزِيَارَةُ قَبْرٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَمَا قَبْلَهُ هُوَ قَوْلُهُ: وَشُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ وَقَوْلُهُ: خِلَافُهُ أَيْ: خِلَافُ قَوْلِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَيَّدَ بِبَعْدِ فَرَاغِ الْحَجِّ فَيَقْتَضِي أَنَّهُمَا لَا يُسَنَّانِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ. (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ مَا بَيْنَ قَبْرِي إلَخْ) اُنْظُرْ وَجْهَ دَلَالَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْمُدَّعَى وَهُوَ سَنُّ زِيَارَةِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّ الرَّمْلِيُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَبِأَحَادِيثَ أُخَرَ اهـ وَقَدْ يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيهِ الدَّلَالَةُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ إذْ الْمَعْنَى مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ إلَخْ أَيْ: وَمَا كَانَ كَذَلِكَ تُسَنُّ زِيَارَتُهُ فَقَبْرِي تُسَنُّ زِيَارَتُهُ. (قَوْلُهُ: رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) الْمُرَادُ بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ رَوْضَةٌ أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ تُنْقَلُ إلَى الْجَنَّةِ فَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِهَا، أَوْ أَنَّهُ عَلَى الْمَجَازِ لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ فِيهِ تَئُولُ إلَى دُخُولِ الْعَابِدِ فِيهِ رَوْضَةَ الْجَنَّةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِتِلْكَ الْبُقْعَةِ وَالْخَبَرُ مَسُوقٌ لِمَزِيدِ شَرَفِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَقِيلَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ أَيْ: كَرَوْضَةٍ لِأَنَّ مَنْ يَقْعُدُ فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُكْثِرُونَ الذِّكْرَ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ فَتْحُ الْبَارِي شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَيْسَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ أَهْلُ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الرَّوْضَةَ قِطْعَةٌ مُقْتَطِعَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «وَخَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَى قَبْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>