لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، أَوْ لِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ (وَ) ثَالِثُهَا: (بِقِرَانٍ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا) فِي أَشْهُرِ حَجٍّ (أَوْ بِعُمْرَةٍ) وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِهِ (ثُمَّ يَحُجَّ) فِي أَشْهُرِهِ (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ، ثُمَّ يَعْمَلَ عَمَلَهُ) أَيْ: الْحَجِّ فِيهِمَا فَيَحْصُلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخَبَرِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ: حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلُلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي قَبْلَ الشُّرُوعِ مَا إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا.
وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ الْإِحْرَامُ بِهِمَا بِكَوْنِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ بِكَوْنِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَفْضَلِ (وَيَمْتَنِعُ عَكْسُهُ) بِأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ، ثُمَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ طَوَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ. (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ: هَذِهِ الْأَوْجُهِ (إفْرَادٌ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ) فَلَوْ أُخِّرَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ كَانَ الْإِفْرَادُ مَفْضُولًا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ مَكْرُوهٌ (ثُمَّ تَمَتُّعٌ) أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ عَلَى خِلَافٍ فِي أَفْضَلِيَّةِ مَا ذُكِرَ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَرَوَيَا أَيْضًا «أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا» وَرَجَحَ الْأَوَّلُ؛ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ، وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا بَيَّنْته مَعَ فَوَائِدَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَأَمَّا تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ فَلِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ أَكْمَلُ مِنْهَا فِي الْقِرَانِ.
(وَعَلَى) كُلٍّ مِنْ (الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ» قَالَتْ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ (إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُنْشِئُ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ لَا لِتَسْمِيَتِهِ تَمَتُّعًا كَمَا قَالَهُ حَجّ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَعُودَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) أَيْ بِفِعْلِهَا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْإِفْرَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ التَّسْمِيَةَ ح ف.
(قَوْلُهُ: بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْمُتَمَتِّعِ أَيْ: لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مَكَّةَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَهُ) أَيْ: الْحَجِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اتِّحَادِ مِيقَاتِهِمَا فِي الْمَكِّيِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَأَنَّ الْمُغَلَّبَ حُكْمُ الْحَجِّ فَيَجْزِيهِ الْإِحْرَامُ بِهِمَا مِنْ مَكَّةَ لَا الْعُمْرَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ شَرْحُ حَجّ وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَيَكْفِي عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَهَلْ هُمَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، أَوْ لِلْحَجِّ فَقَطْ وَالْعُمْرَةُ لَا حُكْمَ لَهَا لِانْغِمَارِهَا أَيْ: لِانْدِرَاجِهَا فِيهِ لَمْ يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ؟ وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ الثَّانِي سم ز ي. (قَوْلُهُ: فَيَحْصُلَانِ) انْدِرَاجًا لِلْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» شَرْحُ حَجّ، وَفِي الْعُبَابِ يُنْدَبُ لِلْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: مَا شَأْنُك) أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ شَأْنُك فَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ كَمَا قَالَهُ ع ش. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَحْلُلْ) بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى وَحُكِيَ كَسْرُهَا كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَطُفْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهَا لَمْ أَحْلُلْ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ لِأَنَّهَا إذَا طَافَتْ تَحَلَّلَتْ مِنْ الْعُمْرَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَطْفَ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَلْقِ مَعَ الطَّوَافِ فِي التَّحَلُّلِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ) فَقَدْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ صُورَتَيْ الْقِرَانِ
(قَوْلُهُ: وَبِالصَّفَا) أَيْ: وَسَعَتْ مُتَلَبِّسَةً بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيْ: بَيْنَهُمَا ح ف (قَوْلُهُ: بِمَقْصُودِهِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ أَيْ: بِأَوَّلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الطَّوَافُ وَقَدْ يُقَالُ الطَّوَافُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَرْكَانِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَهُوَ أَوَّلٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ) أَيْ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَالْعُمْرَةُ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ حَجًّا وَهَذِهِ هِيَ صُورَةُ الْعَكْسِ قَالَهُ الزِّيَادِيُّ قَالَ ع ش: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ غَايَةً لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهِ فِي أَشْهُرِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَيْهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِهِ الْمَطْلُوبَةِ بِإِحْرَامِهِ، أَوْ الْوَاوُ لِلْحَالِ اهـ وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ هَذِهِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ يَقَعُ عُمْرَةً كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: عَامَهُ) وَهُوَ بَقِيَّةُ الْحَجَّةِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَفْضُولًا) أَيْ: عَنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ ح ل (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْلُكُ لَهُمَا مِيقَاتَيْنِ وَالْقَارِنُ يَأْتِي بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مِنْ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافٍ فِي أَفْضَلِيَّةِ مَا ذُكِرَ) أَيْ: الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فَبَعْضُهُمْ فَضَّلَ الْإِفْرَادَ عَلَى التَّمَتُّعِ وَبَعْضُهُمْ عَكَسَ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَأَفْضَلُهَا إفْرَادٌ، ثُمَّ تَمَتُّعٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ رُوَاتَهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ أَصْلِيَّةٌ لِانْقِلَابِهَا عَنْ أَصْلِيٍّ كَقُضَاةٍ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَرْجِيحُ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَمَّا تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا أَيْ: الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ عَلَى الْآخَرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَمَّا إلَخْ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: دَمٌ) وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ (قَوْلُهُ: فَمَنْ تَمَتَّعَ) أَيْ: اسْتَمْتَعَ بِالْعُمْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute