للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَبْحٌ) لِمَا يُجْزِئُ أُضْحِيَّةٌ، وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ وَإِطْلَاقِي لِلذَّبْحِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهُ بِشَاةٍ (أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ) بِالْمَدِّ جَمْعِ صَاعٍ (لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَأَصْلُ آصُعٍ: أَصْوُعٌ أُبْدِلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةً مَضْمُومَةً، وَقُدِّمَتْ عَلَى صَادَهُ، وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا إلَيْهَا وَقُلِبَتْ هِيَ أَلْفًا (أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ: فَحَلَقَ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اُنْسُكْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَقِيسَ بِالْحَلْقِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرُهُمَا. وَتَعْبِيرِي بِمَا يَحْرُمُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْحَقِّ. وَخَرَجَ بِزِيَادَةِ غَيْرِ مُفْسِدٍ وَصَيْدٍ وَنَابِتٍ الثَّلَاثَةُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَمَ الْمُفْسِدِ كَدَمِ الْإِحْصَارِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ. وَأَنَّ دَمَ الصَّيْدِ وَالنَّابِتِ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ وَأَنَّ دَمَ مَا نَحْنُ فِيهِ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْرُ مَا يُعْدَلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ.

(وَدَمُ تَرْكِ مَأْمُورٍ) كَإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ (كَدَمِ تَمَتُّعٍ) فِي أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ؛ لَاشْتَرَاك مُوجِبَيْهِمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَوْلُهُ: ثَلَاثَةً فِيهِ أَيْ: فِي الْحَجِّ أَيْ فِي أَيَّامِهِ وَذَلِكَ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَفِي الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ أَمَّا إذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى، أَوْ مُزْدَلِفَةَ، أَوْ الرَّمْيَ فَقَدْ فَرَغَ الْحَجُّ إذَا كَانَ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى لَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ؟ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ؛ إذْ لَا حَجَّ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

وَالصَّوْمُ فِي الْحَجِّ لِبَعْضِ الصُّوَرِ ... مُمْتَنِعٌ كَالصَّوْمِ لِلْمُعْتَمِرِ

وَصَوْمُ تَارِكِ الْمَبِيتَيْنِ مَعَا ... وَالرَّمْيَ أَوْ صَوْمُ الَّذِي مَا وَدَّعَا

فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِيمَا إذَا تَرَكَ الرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ فَإِنَّهُ وَقْتُ إمْكَانِ الصَّوْمِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّ صَوْمَهَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ يَكُونُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى حَيْثُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّمُ فَإِنْ فَعَلَهَا كَذَلِكَ فَأَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ أَيْ: إذَا صَامَهَا بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الرُّجُوعُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الدَّمِ فَيُرْسِلُهُ لِلْحَرَمِ لِيَذْبَحَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى الْخَطِيبِ. (قَوْلُهُ: ذَبَحَ) لَا يُقَالُ فِيهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الذَّبْحُ لَيْسَ نَفْسُ الْفِدْيَةِ لِأَنَّهَا الْمَذْبُوحُ وَالذَّبْحُ فِعْلٌ وَهُوَ وَاقِعٌ فِيهَا أَيْ عَلَيْهَا اهـ وَكَذَا التَّصَدُّقُ لَيْسَ نَفْسُ الْفِدْيَةِ بَلْ هِيَ الْمُتَصَدَّقُ بِهِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ نَفْسُ الْفِدْيَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْخَاصِّ فِي الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ عَامَّةٌ وَيُرَادُ بِالْأَوَّلَيْنِ أَثَرُهُمَا وَهُوَ الْمَذْبُوحُ وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ لَهُ بِشَاةٍ) قَالَ م ر: وَيَقُومُ مَقَامَهَا بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ سُبُعُ أَحَدِهِمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ) وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي الْكَفَّارَاتِ مَحَلٌّ يُزَادُ فِيهِ الْمِسْكِينُ عَلَى مُدٍّ غَيْرُ هَذِهِ م ر وَقَوْلُهُ: عَلَى مُدٍّ أَيْ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَرِدُ دَفْعُ أَمْدَادِ أَيَّامٍ لِمِسْكِينٍ لِأَنَّهَا عَنْ كَفَّارَاتٍ (قَوْلُهُ: أَبْدَلَ مِنْ وَاوِهِ إلَخْ) فَفِيهِ أَرْبَعُ تَصَرُّفَاتٍ الْأَوَّلُ قَلْبُ الْوَاوِ هَمْزَةً الثَّانِي نَقْلُ حَرَكَتِهَا إلَى الصَّادِ الثَّالِثُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا الرَّابِعُ قَلْبُهَا أَلِفًا فَقَبْلَ التَّقْدِيمِ كَانَ وَزْنُهُ أَفْعَلَ فَالصَّادُ فَاءُ الْكَلِمَةِ وَالْوَاوُ عَيْنُهَا وَالْعَيْنُ لَامُهَا وَالْآنَ صَارَ وَزْنُهُ أَعْفَلَ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْفَاءِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا) أَيْ: قَبْلَ نَقْلِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً. (قَوْلُهُ: اُنْسُكْ) أَيْ اذْبَحْ. (قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ حُكْمُهَا) أَمَّا حُكْمُ الْأَوَّلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَتَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ عَلَى الرَّجُلِ إلَى أَنْ قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ إلَخْ وَأَمَّا حُكْمُ الثَّانِي فَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا بِقَوْلِهِ، وَفِي مِثْلِيٍّ ذَبَحَ مِثْلَهُ إلَخْ وَأَمَّا حُكْمُ الثَّالِثِ فَقَدْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَفِي شَجَرَةٍ كَبِيرَةٍ بَقَرَةٌ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ إنْ شَاءَ ذَبَحَ ذَلِكَ إلَخْ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ فِي صَنِيعِهِ ذِكْرَ حُكْمِ الْمَفْهُومِ قَبْلَ الْمَنْطُوقِ بِمَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّعْدِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْعُدُولَ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْقِيمَةِ) أَيْ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥] فَعَدْلُ الْبَقَرَةِ مَثَلًا بِالطَّعَامِ وَعَدْلُ الطَّعَامِ بِالصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: بِمَا لَا يَزِيدُ) أَيْ: بِنِيَّةِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعَاطَى عِبَادَةً فَاسِدَةً فَيَحْرُمُ حَيْثُ تَعَمَّدَ وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا

. (قَوْلُهُ: وَدَمُ تَرْكِ مَأْمُورٍ) أَيْ: أَمْرُ إيجَابٍ، أَوْ نَدْبٍ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَدَمِ تَمَتُّعٍ) فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيمٍ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بَلْ عَشَرَةٍ بَلْ أَكْثَرَ: التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَالْفَوَاتُ وَتَرْكُ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ، أَوْ مِنًى وَالرَّمْيُ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرُّكُوبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَشْيُ الْمَنْذُورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>