للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَذَلِكَ (كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْت، وَقَبِلْت وَإِنْ تَقَدَّمَ) عَلَى الْإِيجَابِ (كَبِعْنِي بِكَذَا) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَالرِّضَا خَفِيٌّ. فَاعْتُبِرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ فَلَا بَيْعَ بِمُعَاطَاةٍ، وَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ بِهَا، أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِهَا فِي كُلِّ مَا يُعَدُّ فِيهِ بَيْعًا كَخُبْزٍ، وَلَحْمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتَرِ مِنِّي مِنْ زِيَادَتِي. وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّتِهِ بِالْكِنَايَةِ بَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُعْتَمَدَةِ ح ف.

(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ: دَلَالَةً ظَاهِرَةً بِخِلَافِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ كَأَنْ قَالَ: تَمَلَّكْت فَقَطْ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الشِّرَاءَ، وَالْهِبَةَ، وَغَيْرَهُمَا. (قَوْلُهُ وَقَبِلْت) لَمْ يَقُلْ كَذَا بِكَذَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ، وَالْبَيْعِ يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي جَانِبِ الْبَادِئِ. فَالْمَتْنُ كَأَصْلِهِ لَمْ يَأْتِيَا بِصِيغَةٍ كَافِيَةٍ ح ل.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَلْيَذْكُرْ الْمُبْتَدِئُ الثَّمَنَ. اهـ وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ مَا يَشْمَلُ الْمُثَمَّنَ قَالَ سم: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُ الْآخَرُ. (قَوْلُهُ: كَبِعْنِي) هَذَا اسْتِيجَابٌ أَيْ: طَلَبُ الْإِيجَابِ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَصَحَّ جَعْلُهُ مِنْ أَفْرَادِهِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ أَيْ: مَعَ صِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ صِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَلْفُوظِ بِهِ، أَوْ الْمُقَدَّرِ نَحْوَ أَتَبِيعُنِيهِ، أَوْ تَبِيعُنِيهِ ح ل.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَيْعَ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الصِّيغَةُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إلَخْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ع ش. قَوْلُهُ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أَيْ: صَادِرٌ عَنْ تَرَاضٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّفْظِ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ ح ل.

(قَوْلُهُ: فَلَا بَيْعَ بِمُعَاطَاةٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى الصِّيغَةِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا لِلْخِلَافِ فِيهَا. وَالْمُعَاطَاةُ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِثَمَنٍ وَلَوْ مَعَ السُّكُوتِ مِنْهُمَا حَجّ وَهِيَ مِنْ الصَّغَائِرِ عَلَى الرَّاجِحِ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهَا، وَكَذَا كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ وَقَعَ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ بَيْنَ شَافِعِيٍّ وَمَالِكِيٍّ حَرُمَ عَلَى الْمَالِكِيِّ لِإِعَانَتِهِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا فِي ع ش، وَيَجِبُ عَلَى الشَّافِعِيِّ الرَّدُّ دُونَ الْمَالِكِيِّ فَإِذَا رَدَّ الشَّافِعِيُّ أَتَى فِيهِ الظَّفَرُ وَلَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

(قَوْلُهُ وَيُرَدُّ كُلٌّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَلَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْآخِرَةِ لِطِيبِ النَّفْسِ، وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ مَضْمُونًا أَيْ: ضَمَانَ الْغُصُوبِ أَنْ يَضْمَنَ بِأَقْصَى الْقِيَمِ لَا بِالْبَدَلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْبَدَلِ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَأَقْصَى الْقِيَمِ فِي الْمُتَقَوِّمِ ح ل وَاَلَّذِي فِي ع ش عَلَى م ر نَقْلًا عَنْ سم أَنَّهُ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ وَمِثْلُهُ كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا مُطَالَبَةَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ بِخِلَافِ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُكَفِّرٌ، وَصَرَّحَ م ر فِي بَيْعِ الْمَنَاهِي بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ إلَخْ بِأَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِرَدِّهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بِهَا) عِبَارَةُ شَرْح م ر وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ كَجَمْعٍ انْعِقَادِهِ بِهَا فِي كُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا، وَآخَرُونَ فِي كُلِّ مُحَقَّرٍ كَرَغِيفٍ. أَمَّا الِاسْتِجْرَارُ مِنْ بَيَّاعٍ فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا أَيْ: مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ كُلَّ مُرَّةٍ عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ سَامَحَ فِيهِ أَيْ: فِي الِاسْتِجْرَارِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَاطَاةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ أَيْ: وَلَمْ يَكُنْ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِي بَيْعِ مِثْلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَوْ قَدَّرَ مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ عَقْدٍ كَانَ مِنْ الْمُعَاطَاةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ فَمُخْتَارُهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّتِهِ) أَيْ: الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ بَيْعُ الْوَكِيلِ، وَكَذَا شِرَاؤُهُ. (قَوْلُهُ: الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ) أَيْ: صَرِيحًا بِأَنْ صَرَّحَ لَهُ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَيْ: جِيءَ لَهُ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الِاشْتِرَاطِ بِأَنْ قِيلَ: لَهُ مَعَ شَرْطِ أَنْ تَشْهَدَ، أَوْ عَلَى أَنْ تَشْهَدَ فَإِنْ قِيلَ: لَهُ وَتَشْهَدُ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرِطًا ح ل. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشُّهُودَ) الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ قَرِينَةٌ عَلَى النِّيَّةِ فَيَطَّلِعُ الشُّهُودُ عَلَيْهَا ح ل بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَوَفَّرَتْ) أَيْ: اجْتَمَعَتْ، أَوْ دَلَّتْ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى الْبَيْعِ أَيْ: عَلَى إرَادَتِهِ ح ل.

(قَوْلُهُ: الْقَرَائِنُ) كَذِكْرِ الْخِيَارِ، وَأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَالْإِقْبَاضِ. وَالْمُرَادِ جِنْسُهَا الصَّادِقُ بِوَاحِدَةٍ أَيْ: قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ الْبَيْعَ، وَالْمُرَادُ زِيَادَةً عَلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ إنْ قُلْنَا إنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى صِيغَةِ الْكِنَايَةِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. ح ل وع ش وَهَذَا أَيْ: قَوْلُهُ: فَإِنْ تَوَفَّرَتْ إلَخْ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا إنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ،

وَقَوْلُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَتَشْدِيدِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ فَالْأَوَّلُ نِسْبَةً إلَى غَزَالَةَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى طُوسَ بِالْعَجَمِ، وَالثَّانِي أَيْ: التَّشْدِيدُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَغْزِلُ الصُّوفَ، وَيَبِيعُهُ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى طُوسَ فَنُسِبَ إلَى أَبِيهِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْغَزْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>