للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُكْتَبُ بِهِمَا وَبِالْيَاءِ وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَشَرْعًا: عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَآيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَنْ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا. (قَوْلُهُ: وَيُكْتَبُ بِهِمَا) أَيْ: الْأَلْفِ وَالْوَاوِ مَعًا ع ش عَلَى م ر أَيْ: نَظَرًا لِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ رَبَوَ فَرُوعِيَ الْأَصْلُ، وَالْفَرْعُ، وَهُوَ انْقِلَابُ الْوَاوِ أَلِفًا وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فَتُكْتَبُ الْوَاوُ أَوَّلًا فِي الْبَاءِ، وَالْأَلِفُ بَعْدَهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَبِالْيَاءِ أَيْ: فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ رَسْمَهُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِالْأَلِفِ وَحْدَهَا لَكِنَّ الْعُرْفَ عَلَى كِتَابَتِهِ بِهَا وَحْدَهَا نَظَرًا لِلَفْظِهِ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُهُ: وَبِالْيَاءِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ تُمَالُ نَحْوَ الْيَاءِ. (قَوْلُهُ: الزِّيَادَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ بِعَقْدٍ، أَوْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَكِنَّهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ رِبَا الْفَضْلِ،

وَقَوْلُهُ: عَقْدٌ فَمَا يَقَعُ الْآنَ مِنْ إعْطَاءِ دَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لِأَجَلٍ بِلَا عَقْدٍ لَيْسَ مِنْ الرِّبَا بَلْ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ عَزِيزِيٌّ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ إثْمُ الرِّبَا الشَّرْعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا عَقْدٌ إلَخْ) هَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَوْ أَجَّلَا الْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ لِقِصَرِ الْأَجَلِ، أَوْ لِلتَّبَرُّعِ بِالْإِقْبَاضِ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْخِيرِ فِي الْبَدَلَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَعَمُّ مِنْ تَأْخِيرِ اسْتِحْقَاقِ الْقَبْضِ، أَوْ تَأْخِيرِ نَفْسِ الْقَبْضِ سم. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: غَيْرُ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ يَصْدُقُ بِالتَّفَاضُلِ فِي غَيْرِ مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ كَأَنْ بَاعَ صُبْرَةَ بُرٍّ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ أَلْ فِي التَّمَاثُلِ لِلْعَهْدِ أَيْ: التَّمَاثُلُ الْمَعْهُودُ شَرْعًا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، وَالتَّقْدِيرُ أَوْ كَانَ مَعْلُومَ التَّمَاثُلِ لَكِنْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ خَاصًّا بِمُتَّحِدَيْ الْجِنْسِ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَوْ حَصَلَ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ لِلْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُ، أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ عَطْفٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ أَيْ: عَقْدٌ وَاقِعٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ وَاقِعٌ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، أَوْ اخْتَلَفَ. فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَيَصْدُقُ بِغَيْرِ الرِّبَوِيِّ. أُجِيبُ بِأَنَّ أَلْ فِي الْبَدَلَيْنِ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ أَيْ: الرِّبَوِيَّيْنِ الْمَعْهُودَيْنِ سم.

(قَوْلُهُ: غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ) هَذَا النَّفْيُ صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ: بِأَنْ عَلِمَ التَّفَاضُلَ، أَوْ جَهِلَ التَّمَاثُلَ، وَالتَّفَاضُلَ، أَوْ عَلِمَ التَّمَاثُلَ لَا فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ بِأَنْ كَيَّلَ الْمَوْزُونَ، أَوْ وَزَنَ الْمَكِيلِ، أَوْ عَلِمَ التَّمَاثُلَ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ لِإِحَالَةِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ بَاعَ بُرًّا بِمِثْلِهِ جُزَافًا ثُمَّ خَرَجَا سَوَاءٌ كَمَا سَيَأْتِي شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ) فِي سَبَبِيَّةٌ، وَمِعْيَارُهُ الْكَيْلُ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنُ فِيمَا يُوزَنُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ) وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَالسَّرِقَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ كَإِيذَاءِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَمْوَاتًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ بِالْمُحَارَبَةِ إلَّا فِيهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٩] وَقَالَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ» وَحُرْمَتُهُ تَعَبُّدِيَّةٌ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضْيِيقِ وَنَحْوِهِ حِكَمٌ لَا عِلَلٌ،

وَقَوْلُهُ: حُكْمُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحِكْمَةِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا سم وع ش عَلَى م ر. وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] أَيْ: فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ بِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.

وَقَوْلُهُ: مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ وَهُوَ رِبَا الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا الرِّبَا مِنْ أَجْلِ التَّأْخِيرِ، أَوْ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ مِنْ قَبِيلِ الصَّغَائِرِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبَا» اعْتَرَضَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالرِّبَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فَلَا يَصِحُّ لِقُصُورِهِ عَلَى رِبَا الْفَضْلِ، وَأَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّعْنَ عَلَى أَكْلِ الزِّيَادَةِ فَقَطْ دُونَ بَاقِي الْعِوَضِ وَإِنْ أُرِيدَ بِالرِّبَا الْعَقْدُ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِأَكْلِ الْعَقْدِ. وَأُجِيبُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ آكِلَ مُتَعَلِّقِ الرِّبَا وَهُوَ الْعِوَضُ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ: آكِلَ الرِّبَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَمْدُودَةِ، وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ: مُتَنَاوِلَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَخَصَّ الْأَكْلَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمُوكِلَهُ) أَيْ: دَافِعَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَاتِبَهُ) أَيْ: الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>