للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِقَوْلِهِمْ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ وَقِيلَ رَحِيمُ الدُّنْيَا

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا

(لِهَذَا) التَّأْلِيفِ

(وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)

وَالْحَمْدُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَدَابِغِيٌّ عَلَى الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِمْ) أَيْ: السَّلَفِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ حَدِيثٌ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ لِشُمُولِ الرَّحْمَنِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاخْتِصَاصِ الرَّحِيمِ بِالْآخِرَةِ أَوْ الدُّنْيَا فَالْأَبْلَغِيَّةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ أَفْرَادِ الْمَرْحُومِينَ وَقِلَّتِهَا فَهِيَ مَنْظُورٌ فِيهَا لِلْكَمِّ، وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا» فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَبْلَغِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِلْكَيْفِ. اهـ حَلَبِيٌّ

(قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ) هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا التَّأْلِيفِ الْعَظِيمِ ذِي النَّفْعِ الْعَمِيمِ الْمُوَصِّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَى الْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ بِجَهْدِهِ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِ فَاقْتَدَى بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَيْثُ قَالُوا ذَلِكَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ الْمَجْعُولَةِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِمْ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إلَى مَا وَصَلُوا إلَيْهِ مِنْ حُسْنِ تِلْكَ الْعَطِيَّاتِ، وَعَظِيمِ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّاتِ بِجَهْدِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَضْلٌ مِنْهُ تَعَالَى. اهـ (قَوْلُهُ أَيْ: دَلَّنَا) اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ الْهِدَايَةِ عَلَى الدَّلَالَةِ فَشَمِلَتْ الدَّلَالَةَ الْمُوَصِّلَةَ إلَى الْمَقْصُودِ وَغَيْرَهَا وَذَلِكَ هُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ، وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ ع ش أَيْ: فَالدَّلَالَةُ هُنَا مُوَصِّلَةٌ لِمَا وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَغَيْرُ مُوَصِّلَةٍ لِمَا سَيُوجَدُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةً فَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْكِتَابِ فَالدَّلَالَةُ مُوَصِّلَةٌ

(قَوْلُهُ لِهَذَا التَّأْلِيفِ) إنْ قِيلَ: لِمَ فَسَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ هُنَا بِالْفِعْلِ؟ أَيْ: الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّأْلِيفُ وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَلَّفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَعْدُ فَهَذَا قُلْنَا ثُمَّ آثَرَ التَّفْسِيرَ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ وَصَفَ بِأَوْصَافٍ تُعَيِّنُ ذَلِكَ، وَهُنَا وَإِنْ جَازَ الْأَمْرَانِ فَهَذَا أَوْلَى لِيُوَافِقَ الْحَمْدَ عَلَى النِّعْمَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَثَرِ فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ الْفِعْلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْجَلَالُ بِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةٍ الْأَصْلُ النِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

وَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ عَلَى هِدَايَةِ اللَّهِ لِلشَّيْخِ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ فُسِّرَ اسْمُ الْإِشَارَةِ بِالْمَصْدَرِ أَوْ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا التَّغَايُرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُحَشِّي كَبِيرُ فَائِدَةٍ.

(قَوْلُهُ وَمَا كُنَّا إلَخْ) اقْتِبَاسٌ وَهُوَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُتَكَلِّمُ كَلَامَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ وَلَا يَضُرُّ فِيهِ التَّغْيِيرُ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْقُرْآنِ لِلنَّعِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ أَيْ: لِسَبَبِهِ كَقَوْلِهِ

إنْ كُنْت أَزْمَعْتَ عَلَى هَجْرِنَا ... مِنْ غَيْرِ مَا جُرْمٍ فَصَبْرٌ جَمِيلُ

وَإِنْ تَبَدَّلْتَ بِنَا غَيْرَنَا ... فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

وَغَيْرِهِ

لَئِنْ أَخْطَأْتُ فِي مَدِيحِك ... مَا أَخْطَأْتَ فِي مَنْعِي

لَقَدْ أَنْزَلْتُ حَاجَاتِي ... بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعِ

وَكَقَوْلِهِ مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ الْمَجْزُوءِ:

قَالَ لِي إنَّ رَقِيبِي سَيِّئُ الْخُلْقِ فَدَارِهْ ... قُلْت دَعْنِي وَجْهَكَ الْجَنَّةُ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهْ

وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ أَيْ: لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

(قَوْلُهُ لُغَةً) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: فِي اللُّغَةِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ بِاللِّسَانِ) ذُكِرَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ آلَةُ النُّطْقِ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْجَارِحَةِ الْمَعْرُوفَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْجَمِيلِ) عَلَى تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ عَلَى بِمَعْنَى مَعَ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالْجَمِيلُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْحَامِدِ وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ جَمِيلًا فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ) بِأَنْ يَكُونَ الثَّنَاءُ بَاطِنًا بِأَنْ يَعْتَقِدَ اتِّصَافَ الْمَحْمُودِ بِمَا أَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ وَظَاهِرًا بِأَنْ لَا يُخَالِفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ حَلَبِيٌّ.

(قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ إلَخْ) أَيْ: سَوَاءٌ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةٍ وَلِأَجْلِ الْفَضَائِلِ فَهَذَا تَعْمِيمٌ فِي الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ التَّقْيِيدَ بِالِاخْتِيَارِيِّ بِنَاءً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الصِّفَاتُ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>