وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ مَحَلِّ الْقُدْرَةِ وَهُوَ حَالَةُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَهِيَ تَارَةً تَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِ السَّلَمِ حَالًّا وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا كَمَا تَقَرَّرَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِلْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ اقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ فِيهِ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي (بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ) مَا لَوْ ظَنَّ حُصُولَهُ عِنْدَ الْوُجُوبِ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ كَقَدْرٍ كَثِيرٍ مِنْ الْبَاكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ يُوجَدُ (بِمَحَلٍّ) آخَرَ فَيَصِحُّ إنْ (اُعْتِيدَ نَقْلُهُ) مِنْهُ (لِبَيْعٍ) فَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ نَقْلُهُ بِأَنْ نَقَلَ لَهُ نَادِرًا أَوْ لَمْ يَنْقُلْ لَهُ أَصْلًا أَوْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ لِغَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهَدِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
(فَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعِزُّ) وُجُودُهُ، إمَّا لِقِلَّتِهِ (كَصَيْدٍ بِمَحَلِّ عِزَّةٍ) أَيْ بِمَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُهُ فِيهِ، (وَ) إمَّا لِاسْتِقْصَاءِ وَصْفِهِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ مِثْلُ (لُؤْلُؤٍ كِبَارٍ وَيَاقُوتٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُحَصَّلَ هَذَا أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَفْهُومِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأُمُورَ الْمُعْتَبَرَةَ سَبْعَةٌ لَيْسَ مِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَيُحْوِجُ إلَى تَأْوِيلِ الْعِبَارَةِ بِمَا يُخْرِجُهَا عَنْ عَدِّهَا شَرْطًا ع ش قَالَ سم وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ آلَ الْحَالُ إلَى عَدَمِ افْتِرَاقِ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَهِيَ تَارَةً تَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ عَنْهُ كَمَا أَنَّ السَّلَمَ كَذَلِكَ فَاسْتَوَى السَّلَمُ وَالْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ فِي ذَلِكَ وَمُلَاحَظَةُ الْبَيْعِ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ وَالِافْتِرَاقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَمِ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الْمُعَيَّنِ هُوَ الْغَالِبُ فَاتُّجِهَتْ مُلَاحَظَتُهُ دُونَ غَيْرِهِ سُلْطَانٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَإِلَّا فَالْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ مُؤَجَّلًا شَوْبَرِيٌّ وَقَالَ ع ش: قَوْلُهُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ إذْ الْمُعَيَّنُ لَا يَدْخُلُهُ أَجَلٌ وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ يَصِحُّ حَالًّا مُؤَجَّلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا هَذِهِ الْحَالَةُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ وَلَوْ كَانَ ثَمَنُهُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لَكِنْ هَذَا بَعِيدٌ عَنْ السِّيَاقِ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ مُطْلَقًا لَكَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْحُذَّاقِ (قَوْلُهُ: بِلَا مَشَقَّةٍ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ النَّاسِ فِي تَحْصِيلِهِ إلَى مَوْضِعِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ ع ش وَالْمُرَادُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: كَقَدْرٍ كَثِيرٍ مِنْ الْبَاكُورَةِ) الْبَاكُورَةُ هِيَ الثَّمَرَةُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ وَعِنْدَ النَّفَادِ أَيْ الِانْتِهَاءِ رَاجِعْ الْأَنْوَارَ شَوْبَرِيٌّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ وز ي وَبَاكُورَةُ الْفَاكِهَةِ أَوَّلُ مَا يُدْرَكُ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا نَظَرًا لِفَقْدِ الشَّرْطِ ظَاهِرًا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ الْعِبْرَةُ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ ع ش (قَوْلُهُ: بِمَحِلٍّ آخَرَ) وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ح ل؛ لِأَنَّ النَّاقِلَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: اُعْتِيدَ نَقْلُهُ مِنْهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْتَفَى بِاعْتِيَادِ نَقْلِهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ بَلْ أَنْ يُعْتَادَ نَقْلُهُ كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَبِرُوا عُمُومَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش اُعْتِيدَ نَقْلُهُ أَيْ كَثِيرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ نَادِرًا فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْكَثْرَةِ مِنْ الِاعْتِيَادِ اهـ.
وَبَقِيَ مَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَهَلْ يَصِحُّ السَّلَمُ حِينَئِذٍ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِمَّا لَا مَشَقَّةَ فِي حُصُولِهِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: كَالْهَدِيَّةِ) أَيْ وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْمُهْدَى إلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُسْلَمٌ إلَيْهِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ فِيهِمَا قَالَ شَيْخُنَا وَنُوزِعَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ فَلَا يَجِدُ وَفَاءً ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَفِي ع ش عَلَى م ر أَوْ نَقْلٍ لِنَحْوِ هَدِيَّةٍ أَيْ مِمَّا لَمْ يَعْتَدْ الْمُهْدَى إلَيْهِ بَيْعَهَا وَإِلَّا فَتَكُونُ كَالْمَنْقُولِ لِلْبَيْعِ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ الْمُهْدَى إلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَاعَدُ عَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي لَحْمِ الصَّيْدِ الَّذِي يَعِزُّ وُجُودُهُ لِمَنْ هُوَ عِنْدَهُ وَقَدْ قَالُوا فِيهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَعَمَّا لَوْ أَسْلَمَ لِكَافِرٍ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَبْدٌ كَافِرٌ وَأَسْلَمَ لِنُدْرَةِ مِلْكِهِ لَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا اُعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ كَثِيرًا وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ صَيَّرَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ.
(قَوْلُهُ: وَإِمَّا لِاسْتِقْصَاءِ) أَيْ اسْتِبْعَادِ وَصْفِهِ (قَوْلُهُ: مِثْلَ لُؤْلُؤٍ كِبَارٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَجْمِ وَالْوَزْنِ وَالشَّكْلِ وَالصَّفَاءِ وَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ نَادِرٌ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: كِبَارٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ فَإِنْ ضُمَّ كَانَ مُفْرَدًا وَحِينَئِذٍ تُشَدَّدُ الْبَاءُ وَقَدْ تُخَفَّفُ اهـ شَرْحُ م ر. وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا مَفْهُومًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إذَا أَفْرَطَ فِي الْكِبَرِ قِيلَ كُبَّارٌ مُشَدَّدًا وَإِذَا لَمْ يُفْرِطْ فِيهِ قِيلَ كُبَارٌ بِالضَّمِّ مُخَفَّفًا وَمِثْلُهُ طُوَّالٌ بِالتَّشْدِيدِ وَبِالتَّخْفِيفِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ فِيهِمَا ع ش عَلَى م ر قَالَ تَعَالَى {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: ٢٢] أَيْ عَظِيمًا جِدًّا بِأَنْ كَذَّبُوا نُوحًا وَآذَوْهُ وَمَنْ تَبِعَهُ اهـ جَلَالٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute