للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ وَتَأْخِيرُ الْحَمْدَلَةِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَقَدَّمْتُ الْبَسْمَلَةَ ح ل (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْكُتُبِ مَبْدُوءَةٌ بِالْبَسْمَلَةِ لِحَدِيثِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةِ كُلِّ كِتَابٍ» فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ السُّيُوطِيّ: إنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ كَانَ يَكْتُبُ أَوَّلًا بِسْمِ اللَّهِ أَيْ: يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهَا فَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: ١١٠] أَمَرَ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ النَّمْلِ أَمَرَ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا بِهَذَا التَّرْتِيبِ، وَاللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَا فِي النَّمْلِ تَرْجَمَةٌ عَمَّا فِي كِتَابِ بِلْقِيسَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِكِتَابَةِ ذَلِكَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوُجُودِهَا فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ فَلَا يُنْتِجُ ذَلِكَ كَوْنَهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

(قَوْلُهُ وَعَمَلًا) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْقُرْآنِ بِالِاقْتِدَاءِ وَفِي جَانِبِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ يُقْتَدَى بِهِ إذَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بِذَلِكَ لَا تَصْرِيحًا وَلَا ضِمْنًا وَالْحَدِيثُ مُتَضَمِّنٌ لِلْأَمْرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: ابْدَءُوا بِالْبَسْمَلَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ. (قَوْلُهُ بِخَبَرِ) هُوَ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَا بَعْدَهُ إضَافَةً بَيَانِيَّةً أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ، وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى إبْدَالِ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ ذِي بَالٍ) أَيْ: حَالٍ يُهْتَمُ بِهِ شَرْعًا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، فَخَرَجَ نَحْوُ الْبَسْمَلَةِ وَلَيْسَ ذِكْرًا مَحْضًا وَلَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ، وَمَعْنَى اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِهِ طَلَبَهُ إيَّاهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ تَخْيِيرُهُ فِيهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: وَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا فَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ لَا يُبْدَأُ فِيهِ) سُئِلَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ حِكْمَةِ الْإِتْيَانِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى يَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَتَى بِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْأَثْنَاءِ وَحَذْفُهَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ اهـ إطْفِيحِيٌّ وَقَدْ يُقَالُ: لَفْظُ يُبْدَأُ يُبْعِدُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي سَبَبِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُبْدَأُ بِبَسْمِ اللَّهِ بِسَبَبِهِ وَلِأَجْلِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْبَسْمَلَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِأَجْلِ الْأَمْرِ لَا لِأَجْلِ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ شَارِعًا فِي السَّفَرِ مَعَ الْأَكْلِ وَبَسْمَلَ لِأَجْلِ السَّفَرِ فَلَا تَحْصُلُ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ السَّفَرِ وَبِسَبَبِهِ لَا بِسَبَبِ الْأَكْلِ شَيْخُنَا ح ف.

(قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ ع ش (قَوْلُهُ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) بِالرَّفْعِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ رَفْعُ الْحَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ قُرِئَ بِالْجَرِّ كَانَ بِمَعْنَى رِوَايَةٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلَا تَعَارُضَ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَاهَا بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَتَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَوْنِ رِوَايَةِ الْبَسْمَلَةِ بِبَاءَيْنِ، وَكَوْنِ الْبَاءِ صِلَةً لِيُبْدَأَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلِاسْتِعَانَةِ مُتَعَلِّقَةً بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ لَمْ يَحْصُلْ تَعَارُضٌ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ وَأَنْ يُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَالْمُرَادُ الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ كَمَا قَالَهُ سم فَيَحْصُلُ بِالْقَلْبِ. (قَوْلُهُ أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْجُذَامِ فِيهِ مَجَازٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةَ بِأَنْ شَبَّهَ نَقْصَ الْبَرَكَةِ بِقَطْعِ الْعُضْوِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَحْقِيقِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَاقَتُهُ اسْتِعْمَالَ الْمَلْزُومِ وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْقَطْعِ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى قَطْعِ الْبَرَكَةِ فَمَجَازٌ مُرْسَلٌ ع ش (قَوْلُهُ فَهُوَ أَجْذَمُ) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَوْ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِأَنْ شُبِّهَ النَّاقِصُ بِالْأَجْذَمِ وَاسْتُعِيرَ الْأَجْذَمُ لِلنَّاقِصِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ النَّاقِصِ فَالْمُشَبَّهُ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الَّذِي هُوَ النَّاقِصُ لَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا يُبْدَأُ فِيهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ قَالَ ع ش عَلَى م ر: فَالْمُشَبَّهُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَحْذُوفٌ وَالْأَصْلُ هُوَ نَاقِصٌ كَأَجْذَمَ فَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَهُوَ نَاقِصٌ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَجْذَمِ النَّاقِصَ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ فِيهِ بَرَكَةٌ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَنْفِيَّ الْبَرَكَةُ التَّامَّةُ أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ التَّامَّةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْقُرْآنُ مَثَلًا مَقْطُوعَ الْبَرَكَةِ عِنْدَ عَدَمِ ابْتِدَاءَهُ بِالْبَسْمَلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ مَا تَقَرَّرَ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهَا أَنْ تَدْفَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>