للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَثِقَلِ الصَّوْتِ وَنُهُودِ الثَّدْيِ

(فَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا أُعْطِيَ مَالَهُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَالرُّشْدُ) ابْتِدَاءً (صَلَاحُ دِينٍ وَمَالٍ) حَتَّى مِنْ كَافِرٍ كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] (بِأَنْ لَا يَفْعَلَ) فِي الْأَوَّلِ (مُحَرَّمًا يَبْطُلُ عَدَالَةً) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ (وَلَا يُبَذِّرُ) فِي الثَّانِي (بِأَنْ يُضَيِّعَ مَالًا بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي مُعَامَلَتِهِ) وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ (أَوْ رَمْيِهِ) وَإِنْ قَلَّ (فِي بَحْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَشْرَةَ سَنَةً زي (قَوْلُهُ: وَثِقَلُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى غَيْرُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَرِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الشَّعْرِ (قَوْلُهُ: وَنُهُودُ الثَّدْيِ) أَيْ زِيَادَةُ ارْتِفَاعِهِ عَمَّا كَانَ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا) وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالرُّشْدِ بِاعْتِبَارِ مَا يُرَى مِنْ أَحْوَالِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِيهَا عُرْفًا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِخُصُوصِ الْوَقْتِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ كَوَقْتِ الزَّوَالِ مَثَلًا ع ش (قَوْلُهُ: ابْتِدَاءً) خَرَجَ بِهِ دَوَامًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَلَوْ فَسَقَ بَعْدَ أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَلَا حَجْرَ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَأَعْمَالُهُ بَلْ صَلَاحُ الْمَالِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ شَوْبَرِيٍّ مَعَ زِيَادَةِ (قَوْلُهُ: صَلَاحُ دِينٍ وَمَالٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ حَيْثُ اعْتَبَرَا صَلَاحَ الْمَالِ فَقَطْ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرُّشْدَ فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا تَعُمُّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ وَأَيْضًا الرُّشْدُ مَجْمُوعُ أَمْرَيْنِ لَا كُلُّ وَاحِدٍ سم وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَاعْتَبَرَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ صَلَاحَ الْمَالِ وَحْدَهُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: حَتَّى مِنْ كَافِرٍ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ إلْحَاقِ الِاخْتِصَاصِ هُنَا بِالْمَالِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. اهـ. م ر وع ش وَفِي حَاشِيَتِهِ عَلَى م ر الْمُعْتَمَدُ إلْحَاقُهُ بِالْمَالِ فَيَحْرُمُ إضَاعَةُ مَا يُعَدُّ مُنْتَفَعًا بِهِ مِنْهُ عُرْفًا وَيُحْجَرُ بِسَبَبِهِ اهـ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] : لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ لِلْعُمُومِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا) أَيْ عِنْدَ الْبُلُوغِ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ فَسَقَ أَيْ بِفِعْلِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ الصَّادِقُ ذَلِكَ بِقِلَّةِ الزَّمَنِ بَيْنَ الْبُلُوغِ وَبَيْنَ الْفِسْقِ وَبِكَثْرَتِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ السَّفَهُ إلَّا مِمَّنْ أَتَى بِالْفِسْقِ مُقَارِنًا لِلْبُلُوغِ وَحِينَئِذٍ فَالْبُلُوغُ فِي حَالَةِ السَّفَهِ فِي غَايَةِ النُّدُورِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُنْظَرْ هَلْ هَذَا الِاقْتِضَاءُ مُرَادٌ أَمْ لَا رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر.

وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ مَشَايِخُنَا كَلَامُ ع ش الْمُتَقَدِّمِ وَخَرَجَ بِالْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْمُرُوءَةِ لَا يُحَرَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا إنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً لَكِنْ الْحُرْمَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَلَوْ ادَّعَى بُلُوغَهُ سَفِيهًا قُبِلَ قَوْلُهُ: بِلَا يَمِينٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُبَذِّرُ فِي الثَّانِي) وَهُوَ صَلَاحُ الْمَالِ (قَوْلُهُ: بِاحْتِمَالِ) لَمْ يَظْهَرْ لِلَفْظَةِ الِاحْتِمَالِ فَائِدَةٌ فَلَعَلَّهَا زَائِدَةٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: غَبْنٍ فَاحِشٍ) أَيْ وَقَدْ جَهِلَ حَالَ الْمُعَامَلَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ الزَّائِدُ صَدَقَةً خَفِيَّةً مَحْمُودَةً فَلَا يَكُونُ تَبْذِيرًا بَلْ هُوَ بَيْعُ مُحَابَاةٍ ح ل وخ ط وَلَوْ كَانَ يُغْبَنُ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ كَمَا رَجَّحَهُ الْقَمُولِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْأَغْلَبِ انْتَهَى س ل قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ قَاسِمٍ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ إلَخْ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ كَانَ يُغْبَنُ وَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ أَقَرَّهُ وَأَرْشَدَهُ إلَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ أَيْنَ أَنَّهُ كَانَ يُغْبَنُ غَبْنًا فَاحِشًا فَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَانَ يُغْبَنُ غَبْنًا يَسِيرًا وَلَوْ سُلِّمَ فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ غَبْنَهُ كَانَ عِنْدَ بُلُوغِهِ؟ فَلَعَلَّهُ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ سَفِيهًا مُهْمِلًا وَهُوَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْجَوَابِ مَا ذُكِرَ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَقَدْ أَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُبَايَعَةِ وَأَرْشَدَهُ إلَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ حَالِهِ هَلْ طَرَأَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا أَوْ لَا؟ ، وَلَا هَلْ كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا اهـ؟ وَلَوْ غُبِنَ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ آخَرَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ.

لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: عَشَرَةٌ بِتِسْعَةٍ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَخَرَجَ بِهَا الْقُرُوشُ وَالدَّنَانِيرُ فَلَا يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: أَوْ رَمْيِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى احْتِمَالِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَّ) أَيْ الْمُتَمَوَّلُ فِيمَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَحَبَّةِ بُرٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ بِالْقَلِيلِ يَجُرُّ إلَيْهِ بِالْكَثِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ جَعْلُهُمْ اسْتِحْلَالَهُ كُفْرًا فَلَا بِدْعَ حِينَئِذٍ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي أَنَّ إلْفَاءَ كُلٍّ مُفَسِّقٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>