للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لُغَةً: التَّفْوِيضُ وَالْحِفْظُ، وَشَرْعًا تَفْوِيضُ شَخْصٍ أَمْرَهُ إلَى آخَرَ فِيمَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ} [النساء: ٣٥] الْآيَةَ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ»

وَالْحَاجَةُ

دَاعِيَةٌ إلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إنَّهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: لُغَةً التَّفْوِيضُ) وَمِنْهُ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ. (قَوْلُهُ: وَالْحِفْظُ) فِي تَفْسِيرِهَا بِالْحِفْظِ مُسَامَحَةٌ فَإِنَّ الْحِفْظَ مِنْ فِعْلِ الْوَكِيلِ وَالْوَكَالَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ التَّوْكِيلِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُوَكِّلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اُسْتُعْمِلَ الْحِفْظُ بِمَعْنَى الِاسْتِحْفَاظِ أَوْ أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُضَافًا تَقْدِيرُهُ وَطَلَبُ الْحِفْظِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ ع ش قَالَ السُّبْكِيُّ: مَعْنَى الْوَكِيلِ مِنْ قَوْلِنَا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أَيْ: الْقَائِمُ بِأُمُورِنَا الْكَفِيلُ بِهَا الْحَافِظُ لَهَا سم.

(قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَفْوِيضٌ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَاصْطِلَاحًا تَفْوِيضٌ إلَخْ وَمِثْلُهُ شَرْحُ حَجّ قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَقُولُ قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ بِأَنَّ مَا تُلُقِّيَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَا كَانَ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْفَنِّ يُسَمَّى اصْطِلَاحِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَأْخُوذًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَشْكَلَ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَشَرْعًا، وَإِنْ كَانَ مُتَلَقًّى مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَشْكَلَ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ: م ر وحج وَاصْطِلَاحًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِمَا قَالَهُ سم فِي حَوَاشِي الْبَهْجَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُطْلِقُونَ الشَّرْعِيَّ مَجَازًا عَلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِخُصُوصِهِ عَنْ الشَّارِعِ اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ: تَفْوِيضٌ إلَخْ) هَلَّا أَطْلَقَهَا عَلَى الْعَقْدِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي الْأَبْوَابِ قَبْلَهُ وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ أُخَرَ فَلْيُحَرَّرْ فَإِنَّ الظَّاهِرَ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ شَرْعًا اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَمْرَهُ) أَيْ: جِنْسَ أَمْرِهِ أَيْ: لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فِي كُلِّ أُمُورِهِ لَمْ يَصِحَّ فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ: إنَّ أَمْرَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ أُمُورِهِ ع ش.

(قَوْلُهُ: فِيمَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ) فِي بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ لِأَمْرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا م ر وَفِيهِ دَوْرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ هِيَ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ أُخِذَتْ فِي تَعْرِيفِهَا ثُمَّ رَأَيْتُ م ر قَالَ فِيمَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ أَيْ: شَرْعًا فَلَا دَوْرَ قَالَ ع ش الظَّاهِرُ أَنَّ الدَّوْرَ الْمَنْفِيَّ أَنَّ النِّيَابَةَ هِيَ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ أَخَذْت فِي تَعْرِيفِ الْوَكَالَةِ وَحِينَئِذٍ فَفِي انْدِفَاعِهِ بِقَوْلِهِ أَيْ: شَرْعًا نَظَرٌ لِأَنَّ النِّيَابَةَ شَرْعًا هِيَ الْوَكَالَةُ فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ النِّيَابَةَ شَرْعًا أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَا دَوْرَ وَكَانَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ مَانِعٍ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ شَرْعًا بِوَجْهٍ أَنَّهُ مَا لَيْسَ عِبَادَةً وَنَحْوَهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَكَالَةِ فَلَا دَوْرَ. اهـ. سم عَلَى حَجّ.

(قَوْلُهُ: لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ) خَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْإِيصَاءُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ز ي.

وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ لَا لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهِيَ أَحْسَنُ إذْ هِيَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ أَصْلًا كَأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا وَبِمَا إذَا قَيَّدَ بِحَالِ الْحَيَاةِ كَوَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا حَالَ حَيَاتِي اهـ اهـ اج عَلَى خ ط.

(قَوْلُهُ: فَابْعَثُوا حَكَمًا إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ الْحَكَمَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي وَكِيلَانِ عَنْهُمَا عَلَى الرَّاجِحِ ح ل وَمُقَابَلَةُ أَنَّهُمَا حَاكِمَانِ أَيْ: نَائِبَانِ عَنْ الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ:

وَالْحَاجَةُ

دَاعِيَةٌ إلَيْهَا) يُرِيدُ الْقِيَاسَ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهَا أَيْضًا سم ع ش.

(قَوْلُهُ: بَلْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَخْ) فَإِنْ قُلْتَ ظَاهِرُ الِانْتِقَالِ مِنْ الْجَوَازِ أَنَّ الْجَوَازَ ضَعِيفٌ قُلْتُ: مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْجَوَازِ أَوَّلًا بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَالْجَوَازُ شَامِلٌ لِلْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ فَتَرَقَّى فِي الْبَيَانِ بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ. اهـ. ع ش، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ هُنَا الْإِبَاحَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي إلَخْ. (قَوْلُهُ: إنَّهَا) أَيْ: الْوَكَالَةَ إيجَابًا وَقَبُولًا وَقَوْلُهُ: مَنْدُوبٌ إلَيْهَا أَيْ: مَدْعُوٌّ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَالْمُعَاوَنَةُ وَاضِحَةٌ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِيجَابُ مَنْدُوبًا وَذَلِكَ فِي تَوْكِيلِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ فِي الْأُضْحِيَّةِ ح ل.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَلِهَذَا نُدِبَ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا

قِيَامٌ بِمَصْلَحَةِ

الْغَيْرِ أَمَّا عَقْدُهَا الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْإِيجَابِ فَلَا يُنْدَبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا لَا يَتِمُّ الْمَنْدُوبُ إلَّا بِهِ، فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يُرِدْ الْمُوَكِّلَ غَرَضَ نَفْسِهِ.

وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا غَرَضُ الْقَاضِي بِمَا ذَكَرَهُ بَيَانُ مَا أَرَادَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْجَوَازِ الصَّادِقِ بِالنَّدْبِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ غَرَضُهُ إبْطَالَ مَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ بَيَانَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا النَّدْبُ وَأَنَّ ذَلِكَ كَالتَّقْيِيدِ لِمَا أَوْهَمَهُ التَّعْبِيرُ بِالْجَوَازِ مِنْ التَّعْمِيمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ م ر كَابْنِ حَجَرٍ

وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهَا

، وَلِهَذَا نُدِبَ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهَا

قِيَامٌ بِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ

إلَخْ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>