وأَمَّا أمْ مُخَفَّفَةً فهي حرفَ عطفٍ في الاستفهام، ولها موضعان: أحدهما أن تقع مُعادِلَةً لأَلِفِ الاستفهام بمعنى أَيٍّ. تقول: أَزَيْدٌ في الدار أم عمروٌ؟ والمعنى أيُّهما فيها. والثاني أن تكون منقطعة مما قبلها خبراً أو استفهاماً. تقول في الخبر إنّها لإبِلٌ أمْ شاءٌ يا فتى. وذلك إذا نظرت إلى شخص فتوهَّمْتَه إِبِلاً، فقلتَ ما سبق إليك، ثم أدركك الظنُّ أنه شاءٌ، فانصرفْتَ عن الأول فقلت أَمْ شاءٌ، بمعنى بَلْ؛ لأنَّه إضرابٌ عما كان قبله، إلاَّ أن ما يقعُ بعد بَلْ يقينٌ، وما بعد أَمْ مَظْنُونٌ. وتقول في الاستفهام: هل زيدٌ منطلقٌ أَمْ عمروٌ يا فتى، إنّما أضربْتَ عن سؤالك عن انطلاق زيد وجعلْتَه عن عمرو، فَأَمْ معها ظنٌّ واستفهمامٌ وإضرابٌ. وأنشد الأخفش:
قال تعالى: لا ريبَ فيهِ مِنْ رَبِّ العالَمين. أمْ يَقولون افْتَراهُ. وهذا كلامٌ لم يكن أصلُه استفهاماً. وليس قوله: أمْ يقولون افْتَراهُ شَكَّاً، ولكنه قال هذا التقبيح صنيعهم. ثم قال: بَلْ هو الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ كأنَّه أراد أن يُنَبِّه على ما قالوه، نحو قولك للرجل: الخيرُ أحبُّ إليك أم الشرّ؟ وأنت تعلم أنَّه يقول الخير، ولكن أردتَ أن تُقَبِّحَ عنده ما صَنَع. وتَدْخُلُ أَمْ على هَلْ فتقول: أَمْ هَلْ عندك عمروٌ. وقال:
ولا تدخل أَمْ على الألْف، لا تقول أَعِنْدَكَ زيدٌ أَمْ أَعِنْدَكَ عمروٌ، لأنّ أصل ما وُضِعَ للاستفهام حرفان أحدهما الألِف ولا تقع إلاّ في أول الكلام، والثاني أَمْ ولا تقع إلاَّ في وسط الكلام، وهَلْ إنما أقيمَ مقام الألف في الاستفهام فقط، ولذلك لم يقع في كلِّ مواقع الأصل. وأَمْ قد تكون زائدة، كقول الشاعر: