للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المُرحل وبابن الوكيل شيخ الشافعية في زمانه، وأشهرهم في وقته بالفضيلة وكثرة الاشتغال والمطالعة والتحصيل والافتنان بالعلوم العديدة، وقد أجاد معرفة المذهب والأصْلين، ولم يكن بالنحو بذاك القوي، وكان يقع منه اللحنُ الكثير (١)، مع أنه قرأ فيه "المفصَّل" للزمخشري، وكانت له محفوظات كثيرة.

ولد في شوال سنة خمس وستين وستمئة، وسمع الحديث على المشايخ من ذلك "مسند الإمام أحمد" على ابن علان، والكتب السنّة، وقُرئ عليه قطعة كبيرة من "صحيح مسلم" بدار الحديث عن الأمين (٢) الإربلي والعامري والمِزّي، وكان يتكلّم على الحديث بكلام مجموع من علوم كثيرة، من الطب والفلسفة وعلم الكلام - وليس ذلك بعلم (٣) وعلوم الأوائل، وكان يكثر من ذلك، وكان يقول الشعر جيدًا، وله ديوان مجموع مشتمل على أشياء لطيفة (٤)، وكان له أصحاب يحسدونه ويحبونه، وآخرون يحسدونه ويبغضُونَه، وكانوا يتكلمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظائم، وقد كان مسرفًا على نفسه قد ألقى جِلْبابَ الحياء فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش (٥)، وكان ينصب العداوة للشيخ ابن تيمية ويناظره في كثير من المحافل والمجالس، وكان يعترف للشيخ تقي الدين بالعلوم الباهرة ويثني عليه، ولكنه كان يجاحف (٦) عن مذهبه وناحيته وهواه، وينافح عن طائفته. وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يثني عليه وعلى علومه وفضائله ويشهد له بالإسلام إذا قيل له عن أفعاله وأعماله القبيحة، وكان يقول: كان مخلّطًا على نفسه متّبعًا مُراد الشيطان منه (٧)، يميل إلى الشهرة (٨) والمحاضرة، ولم يكن كما يقول فيه بعض أصحابه ممن يحسده ويتكلّم فيه هذا أو ما هو في معناه.

وقد درس بعدة مدارس بمصر والشام، ودرس بدمشق بالشَّاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية، وولي في وقت الخطابة أيامًا يسيرة كما تقدَّم، ثم قام الخلق عليه وأخرجوها من يده، ولم يرق منبرها (٩)، ثمّ خالط نائب السلطنة الأفرم فجرت له أمور لا يمكن ذكرها ولا يُحسبن من القبائح (١٠) ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق إلى حلب لاستحواذه على قلب نائبها، فأقام بها ودرس، ثم


(١) ليست في ب. ط: الأمير.
(٢) في ط: الأمير.
(٣) ليست في ب.
(٤) ليست في ب.
(٥) ليست في ب.
(٦) "يجاحف": يدافع، من جحفه برجله: رفسه بها حتى يرمي به. القاموس (جحف).
(٧) ليست في ب.
(٨) في الأصل وط: "الشهوة".
(٩) ليست في ب.
(١٠) ليست في ب.

<<  <   >  >>