للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيها مُنع شهابُ الدين بن مرّي البعلبكي من الكلام على الناس بمصرَ، على طريقة الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وعزّرَهُ القاضي المالكي بسبب مسألة (١) الاستغاثة، وحضر المذكور بين يدي السلطان وأثنى عليه جماعة من الأمراء، ثم سُفِّر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل، ثم انتزح إلى بلاد الشَّرق وأقام بسنجار ومارِدِين ومعاملتهما يتكلَّم ويعظُ النَّاس (٢) إلى أَنْ مات كما سنذكر.

وفي ربيع الآخر عاد نائب الشّام من مصرَ وقد أكرمه السُّلطان والأمراء (٣).

وفي جُمادى الأولى وقع بمصرَ مطرٌ لم يُسمع بمثله بحيث زاد النيلُ بسببه أربع (٤) أصابعَ، وتغيَّر أيامًا.

وفيه زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد وانحصر الناس بها ستّةَ أيام لم تفتح أبوابها، وبقيت مثل السفينة في وسط البحر، وغرق خلقٌ من الفلاحين وغيرهم، وتلف للنَّاس مالا يعلمه إلا الله، وودَّع أهلُ البلد بعضُهم بعضًا، ولجؤوا إلى الله تعالى، وحملوا المصاحف على رؤوسهم في سُدّة السُّوق (٥) بأنفسهم حتَّى القضاة والأعيان، وكان وقتًا عجيبًا، ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص، وتراجع النَّاسُ إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائزة وغير الجائزة، وذكر بعضهم أنَّه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمئة بيت، وإلى عشر سنين لا يرجع ما غرق (٦).

وفي أوائل جُمادى الآخرة فتح السلطان خانقاه سِرْ يَاقُوس التي أنشأها وساق إليها خليجًا وبنى عندها محلَّةً، وحضر السُّلطان بها ومعه القضاة والأعيان والأمراء وغيرهم، ووليها مجد الدين الأَقصرائي (٧)، وعمل السلطان بها وليمة كبيرة وهي في الحقيقة وكيرةٌ، وسمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرينَ حديثًا بقراءة ولده عزّ الدين بحضرة الدولة، منهم أَرْغُون النائب، وشيخ الشُّيوخ القونوي وغيرهم، وخلع على القارئ عز الدين وأَثْنَوْا عليه ثناءً زائدًا، وأُجلس مكرّمًا، وخلع أيضًا على والده ابن جماعة وعلى المالكي وشيخ الشيوخ، وعلى مجد الدين الأَقْصَرائي شيخ الخانقاه المذكورة وغيرهم.


(١) ليست في ط.
(٢) ليست في ب. مرآة الجنان (٤/ ٢٧٣). فالخبر بتمامه فيه.
(٣) في ب: إكرامًا زائدًا وحصلت له تقادم وتحف كبيرة.
(٤) في ط: أربعة، وهو غلط.
(٥) في ط: شدة الشوق.
(٦) الخبر في الذيل (ص ١٣٦ - ١٣٧). يقول الذهبي: ومن الآيات أن مقبرة أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز، علو ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صحّ هذا عندنا. أ. هـ. ونقله عنه ابن العماد في الشذرات (٦/ ٦٦).
(٧) هو: الشيخ أبو حامد موسى بن أحمد بن محمود الأَقْصُرائي أو الأَقْصُري. مات سنة (٧٤٠ هـ). النجوم (٩/ ٨٤).

<<  <   >  >>