للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكذب ويفتات على الشرع، فتألَّم الناس له لكونه في الصيام. وفي العَشْر الأخير من رمضانَ، ويوم سبع وعشرين، وهو شيخٌ كبيرٌ صائمٌ، فيقال: إنه ضُرب يومئذ ألفين ومئة وإحدى وسبعين دِرَّة والله أعلم، فما أَمسى حتى استفتى على القاضي المذكور وداروا على المشايخ بسبب ذلك عن مرسوم النائب، فلمَّا كان يوم تاسع عشري رمضان عَقَد نائبُ السَّلطنة بين يديه بدار السعادة مجلسًا حافلًا بالقضاة وأعيان المفتين من سائر المذاهب، وأُحضر ابن جملة قاضي الشَّافعية والمجلس قد احتفل بأهله، ولم يَأْذنوا لابن جملة في الجلوس، بل قامَ قائمًا (١) ثم أُجلس بعد ساعة جيدة في طرف الحَلْقة، إلى جانب المحفَّة التي فيها الشيخ الظَّهير، وادَّعى عليه عند بقية القضاة أنَّه حكم فيه لنفسه، واعتَدى عليه في العقوبة، وأفاض الحاضرون في ذلك، وانتشر الكلام وفهموا من نفس النّائب الحطَّ على ابن جملة، والميل عنه (٢) بعد أن كان إليه، فما انفصل المجلسُ حتى حَكَم القاضي شرف الدين المالكي بفسقه وعزله وسَجنه، فانفض المجلس على ذلك، ورُسم على ابن جملة بالعَذْراويّة ثم نُقل إلى القلعة جزاءً وفاقًا والحمدُ لله وحده (٣)، وكان له في القضاء سنةٌ ونصفٌ إلا أيامًا، وكان يباشرُ الأحكام جيدًا، وكذا الأوقاف المتعلقة به، وفيه نزاهةٌ وتمييز الأوقاف بين الفقهاء والفقراء، وفيه صَرامةٌ وشَهامة وإقدام، لكنَّه أخطأ في هذه الواقعة، وتعدى فيها، فآل أمره إلى هذا.

وخرجَ الرَّكبُ يوم الإثنين عاشرِ شوّال وأميره اُلْجِي بُغَا، وقاضيه] (٤) مجد الدين بن حيَّان المصري.

وفي يوم الإثنين رابع عشريه درَّس بالاقبالية الحنفية نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطَّرَسوسي الحنفي عوضًا عن شمس الدين محمد بن عثمان بن محمد الأَصْبهاني بن العجمي الحبطي، ويُعرف بابن الحنبلي، وكان فاضلًا دينًا متقشفًا كثير الوَسْوَسَة في الماء جدًّا، (٥) وأما المدرّس مكانه وهو نجم الدين بن الحنفي (٦) فإنَّه ابن خمسَ عَشْرَةَ سنة، وهو في النباهة والفهم، وحسن الاشتغال والشكل والوقار، بحيث غبط الحاضرون كلُّهم أباه على ذلك، ولهذا آل أمره أن تولى قضاء القضاة في حياة أبيه، نَزَلَ له عنه وحُمِدَت سيرتُه وأحكامُه.

وفي هذا الشهر أُثبت محضرٌ في حقِّ الصاحب شمس الدين غبريال المتوفّى في هذه السنة أنه كان


(١) ليست في ب.
(٢) في ب: عليه.
(٣) ليست في ب.
(٤) هنا انتهى السقط المستدرك.
(٥) الدرر الكامنة (٤/ ٤٣). وفيه: كان موسوسًا في الطّهارة.
(٦) هو إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنفي، ولد سنة (٧٢١ هـ) ومات سنة (٧٥٨ هـ -) الدرر الكامنة (١/ ٥٣).

<<  <   >  >>