للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُرَ حريق من مدة طويلة أكبر منه ولا أعظم، فإنا لله وإنا إليه راجعون (١).

وفي يوم الخميس خامسه وقت العصر خُلع على القاضي أمين الدين ابن القاضي جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال، وجلس في الدست فوق شهاب الدين بن القيسراني، وذهب الناس لتهنئته، واحتفلوا لذلك، منصب أبيه، (٢).

وفي يوم الجمعة سادسه رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مآذن البلد كما يذكر في مآذن الجامع ففعل ذلك.

وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السُّبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئًا من أموال الغياب التي تحت يده، فامتنع من ذلك امتناعًا كثيرًا، فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة، ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرًا، ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطاني، ووقع أمر كثير لم يُعهد مثله.

شهر جمادى الأولى أوله الإثنين، وفي يوم الأربعاء عاشره توفي صاحبنا الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد (٣) بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، تغمده الله برحمته، وأسكنه بحبوحة جنته، مرض قريبًا من ثلاثة أشهر بقرحة وحُمَّى سل، ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال، وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر، فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.

فصلي عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة، وكانت جنازته حافلة مليحة، عليها ضوء ونور، ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف بن المجد رحمهما الله تعالى، وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمئة (٤) فلم يبلغ الأربعين، وحصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار، وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة، وكان حافظًا جيدًا لأسماء الرجال، وطرق الحديث، عارفًا بالجرح والتعديل بصيرًا بعلل الحديث حسن الفهم له، جيد المذاكرة، صحيح


(١) الذيل ص (٢٣٦).
(٢) ليست في أ وب وط.
(٣) ترجمته في الذيل ص (٢٣٨) والوفيات لابن رافع (١/ ٤٥٧ - ٤٥٨) والدرر الكامنة (٣/ ٣٣١) وذيل طبقات الحنابلة (٢/ ٤٣٦) والشذرات (٦/ ١٤١).
(٤) في ذيل طبقات الحنابلة والشذرات مولده سنة (٧٠٤) هـ.

<<  <   >  >>