للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معتقلًا. فلما كان يوم الخميس الثاني والعشرون منه شفع فيه الأمير أحمد بن مُهَّنا (١) ملك العرب عند نائب السلطنة فاستحضره بين يديه وأطلقه إلى أهله وعياله.

شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة، لم أجد فيه شيئًا من الحوادث والوفيات.

شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد، في ليلة الخميس ثاني عشره قدم القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب كاتب السر بحلب على كتابة السرّ بدمشق عوضًا عن القاضي تاج الدين بن الزين خضر المتوفّى في الشهر الخارج.

وفي يوم السبت رابع عشره خُسف القمر، طلع كاسفًا كسوفًا شديدًا، وصلى الخطيب بالجامع صلاة الخسوف. وخطب بين العشاءين، واستمر الخسوف إلى قريب من ربع الليل (٢).

ولما كان تاريخ يوم الجمعة ثالثَ عشرَ جمادى الأولى صلّى نائب السلطنة الأمير سيف الدين يَلْبُغا اليَحْيَاوي الناصري بجامع تَنْكِز ظاهر دمشق برا (٣) باب النصر، وصلَّى عنده القاضي الشافعيّ والمالكي وكبار الأمراء، ولمَّا أُقيمت الصلاة صلَّى، وقعد بعض مماليكه عن الصلاة ومعهم السلاح حراسة له، ثم لما انصرف من الصلاة اجتمع بالأمراء المذكورين وتشاوروا طويلًا، ثم نهض النائب إلى دار السعادة، فلما كان آخر النهار برز بخدمه ومماليكه وحشمه ووطاقه وسلاحه وحواصله، ونزل قبلي مسجد القدم وخرج الجند والأمراء في آخر النهار وانزعج الناس واتفق طلوع القمر خاسفًا، ثم خرج الجيش ملبسًا تحت الثياب وعليه التراكيس بالنشاب والخيول والجنابات، ولا يدري النَّاسُ ما الخبر، وكان سبب ذلك أن نائب السلطنة بلغه أن نائب صفد (٤) قد ركب إليه ليقبض عليه، فانزعج لذلك وقال: لا أموت إلا على ظهر أفراسي، لا على فراشي، وخرج الجند والأمراء خوفًا من أن يفوتهم بالفرار، فنزلوا يمنة ويسرة، فلم يذهب من تلك المنزلة بل استمر بها يعمل النيابة ويجتمع بالأمراء جماعة وفرادى، ويستميلهم إلى ما هو فيه من الرأي، وهو خلع الملك الكامل شعبان لأنه يكثر من مسك الأمراء بغير سبب، ويفعل أفعالًا لا تليق بمثله، وذكروا أمورًا كثيرة، وأن يولُّوا أخاه أمير حاجي بن الناصر لحسن شكالته وجميل فعله، ولم يزل يفتلهم في الذِّروة والغارب (٥) حتى أجابوه إلى ذلك، ووافقوه عليه، وسلَّموا ما يدَّعيه، وتابعوا على ما أشار إليه وبايعوه، ثم شرع في البعث إلى نواب البلاد يستميلهم إلى ما مالأ عليه الدمشقيون وكثير من المصريين، وشرع أيضًا في التصرُّف في الأمور العامة الكلية، وأخرج بعض من وأخرج بعض من كان الملك الكامل اعتقله بالقلعة المنصورة، ورد إليه إقطاعه بعد ما بعث الملك الكامل إلى من أقطعه منشوره، وعزل وولّى


(١) أحمد بن مهنا بن عيسى بن مهنا. مات سنة (٧٤٩) هـ الدرر الكامنة (١/ ٣٢٢).
(٢) ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(٣) لفظة شبه عامية يراد بها "خارج".
(٤) في ط: صغد بالغين.
(٥) أي: يدور من وراء خديعته حتى يغيِّر رأيهم. القاموس (قتل).

<<  <   >  >>