للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا اليوم وقعت بطاقة بقدوم الأمير سيف الدين بَيْغَرَا حاجب الحجَّاب بالديار المصرية لأجل البيعة للسُّلطان الملك المظفر، فدُقّت البشائر بالوطاق، وأُمر بتزيين البلد، فزين الناس وليسوا منشرحين، وأكثرهم يظن أن هذا مكر وخديعة، وأن التجاريد المصرية واصلة قريبًا. وامتنع نائب القلعة من دق البشائر وبالغ في تحصين القلعة، وغلَّق بابها، فلا يفتح إلا الخوخة (١) البرانية والجوانية، وهذا الصنيع هو الذي يشوش خواطر العامة، يقولون: لو كان تم شيء له صحة، كان نائب القلعة يطَّلع على هذا قبل الوطاق. فلما كان الثلاثاء بعد الزوال قدم الأمير سيف الدين بَيْغَرَا إلى الوطاق، وقد تلقَّوه يوم وعظَمُوه، ومعه تقليد النيابة من المظفَّر إلى الأمير سيف الدين يَلْبُغَا نائب السلطنة، وكتاب إلى الأمراء بالسَّلام. ففرحوا بذلك وبايعوه وانضمت الكلمة والله الحمد.

وركب بَيْغَرَا إلى القلعة فترجَّل وسلَّ سيفه ودخل إلى نائب القلعة فبايعه سريعًا ودُقَّت البشائر في القلعة بعد المغرب، حين بلغه الخبر، وطابت أنفس الناس ثم أصبحت القلعة في الزينة وزادت الزينة في البلد وفرح الناس.

فلمَّا كان يوم الخميس حاديْ عَشَر الشهر دخل نائب السلطنة من الوطاق إلى البلد والأطلاب بين يديه في تجمُّل وطبلخانات على عادة العَرْض، وقد خرج أهل البلد إلى الفرجة، وخرج أهل الذمة بالتَّوراة، وأُشعلت الشموع، وكان يومًا مشهودًا (٢).

وفي يوم الجمعة ثاني عشره اجتمع الأمراء بالمقصورة، فصلّوا بها، وخُطب للملك المظفّر، وهم يسمعون، ثم تفرّقوا بعد ذلك.

وفي يوم السبت ثالث عشره ذكر النائب في موكب هائل، ومعه نواب السلطنة عن يمينه وشماله، والمقدّمون وبَيْغَرا والجيش بكماله، ولعب بالكرة في هذا اليوم مع نواب السلطنة.

شهر رجب الفرد، أوله الثلاثاء، في يوم الخميس ثالثه درّس بالشاميّة البّراانية القاضي جمال الدين حسين بن قاضي القضاة تقي الدين السُبكي استرجعها من ابن شَمَريوخ. وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة.

وفي يوم الخميس داروا بالمحمل حول البلد على العادة، واحتفلوا لذلك، وعرض الواليان في تجمل هائل، واحتفال.

وفي يوم الإثنين رابع عشره قدم القاضي علاء الدين بن الأُطُرُوش من عند نائب السلطنة، وكان بالغسُّولة، وفد إليه من الديار المصرية بمنصب الحسبة، ونظر الأسرى، وتدريس الخاتونية، وغير


(١) "الخوخة": باب صغير وسط الكبير.
(٢) الذيل ص (٢٥٥) النجوم الزاهرة (١٠/ ١٤١ وما بعدها).

<<  <   >  >>