للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشائر بالقلعة، واحتفل الناس بذلك، ولا سيّما الفرح باستقلال السلطان الملك الناصر ابن الناصر بأمر المملكة، وكُبت أعداؤه.

ولما كان يوم الأحد سادس عشره بعد أذان الفجر توفّي الشيخ الإمام العالم القاضي فخر الدين محمد بن علي القبطي الأصل، الشافعي المذهب، المعروف بالمصري (١) وكان بارعًا فاضلًا، مجموع الفضائل في فنون متعدّدة، ودرّس في أماكن كثيرة، وأعاد وولّي الحكم، واشتغل بالتدريس بالعادلية الصغيرة والروحية والدّولعية، وكان يشغل بالجامع الأموي في حلقة وانتفع به الطلبة، وكان سريع العبادة، سريع الحفظ، وكانت فيه عبادة ويكثر التلاوة، وحجّ مرارًا، وجاور كرّات متعدّدة، فحصّل أموالًا كثيرة وصُلّي عليه الظهر بجامع الأموي، واجتمع القضاة والأعيان من سائر المذاهب، ودفن بباب الصغير عند والده (٢).

وفي يوم الخميس العشرين من ذي القعدة مُسك الأميران الكبيران الشّاميان المقدَّمان شهاب الدين أحمد بن صُبْح، وملك آص (٣)، من دار السعادة بحضرة نائب السلطنة والأمراء ورُفعا إلى القلعة المنصورة، سِيْريهما ماشيين من دار السعادة ماشيين إلى باب القلعة من ناحية دار الحديث، وقُيّدا وسُجنا بها.

شهر ذي الحجة، أوله الأحد (٤)، وجاء الخبر فيه بأن السلطان استوزر بالدِّيار المصرية القاضي علم الدين بن زَنْبُور (٥)، وخلع عليه خلعة سنية، لم يسمع بمثلها من أعصار متقادمة، باشر وخلع على الأمراء والمقدمين، وكذلك خلع على الأمير سيف الدين طَشْبُغَا (٦) وأُعيد إلى مباشرة الدويدارية بالديار المصرية، وجعل مقدمًا.

وفي أوائله اشتهر أن نائب صفد شهاب الدين أحمد مشد الشُّرْبخاناة طُلب إلى الديار المصرية فامتنع من إجابة الداعي، ونقَضَ العهد، وحصَّن قلعتها، وحصَّل فيها عددًا ومددًا وادّخر أشياء كثيرة بسبب الإقامة بها والامتناع فيها، فجاءت البريدية إلى نائب دمشق بأن يركب هو وجميع جيش دمشق إليه، فتجهَّز الجيش لذلك وتأهَّبُوا، ثم خرجت الأطلاب على راياتها، فلما برز منها بعضٌ، بدا لنائب السَّلطنة


(١) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ١٥ - ١٦ نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه وطبقات الشافعية للسّبكي ٩/ ١٨٨ - ١٨٨٩، والدرر الكامنة ٤/ ٥١ - ٥٢ والذيل التام ١/ ١١٥ - ١١٦.
(٢) ليست في أ وب وط. وهي في الأصل من قوله: شهر ذي القعدة، أوله.
(٣) مات ملك آص سنة (٧٥٦) هـ. الدرر الكامنة (٤/ ٣٥٧).
(٤) ليست في أوب، وط، وهي في الأصل.
(٥) في ط: علم الدين زينور وهو توهم وتحريف. والتصويب من الدرر الكامنة (٢/ ٢٦١) والنجوم الزاهرة (١٠/ ٢٢٥). وفيهما: عبد الله بن سعيد الدولة القبطي الوزير موفق الدين.
(٦) في ط: طسبغا بسين مهملة. وأثبتنا ما في النجوم الزاهرة (١٠/ ٢٢١)

<<  <   >  >>