للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفدوا معه هنالك، فدخلوا في تجمُّل كثير، ملبسين، وكان عدَّة من كان معه من أمراء الطبلخانات قريبًا من ستين أميرًا أو يزيدون أو ينقصون، على ما استفاض عن غير واحد ممَّن شاهد ذلك، ثم سار قريبًا من الزوال للمخيم الذي ضُرب له قبل مسجد القدم عند قبة يَلْبُغا، عند الجدول الذي هنالك، وكان يومًا مشهودًا هائلًا، لما عاين النَّاسُ من كثرة الجيوش والعدد، وعذَر كثيرٌ من الناس صاحبَ دمشقَ في ذهابه بمن معه لئلا يقابل هؤلاء. فنسأل الله أن يجمع قلوبهم على ما فيه صلاح المسلمين.

وقد أرسل إلى نائب القلعة وهو الأمير سيف الدين إباجي يطلب منه حواصل أَرْغُون التي عنده، فامتنع عليه أيضًا، وقد حصَّن القلعة وسترها وأرصد فيها الرجال والرماة والعُدَد، وَهيأ بها بعض المجانيق ليبعد بها فوق الأبرجة، وأمر أهل البلد أن لا يفتحوا الدكاكين ويغلقوا الأسواق، وجعل يغلق أبواب البلد إلا بابًا أو بابين منها، واشتدّ حنق العسكر عليه، وهمُّوا بأشياء كثيرة من الشر، ثم يرعوون عن الناس والله المسلِّم، غير أن إقبال العسكر وأطرافه قد عاثوا فيما جاوروه من القرايا والبساتين والكروم والزروع فيأخذون ما يأكلون وتأكل دوابهم، وأكثر من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ونُهبت قرايا كثيرة وفجروا بنساء وبنات، [وعَظُم الخطب، وأمّا التجار ومن يذكر بكثرة مال فأكثرهم مختف لا يظهر لما يخشى من المصادرة، نسأل الله أن يحسن عاقبتهم] (١)

شهر شعبان المبارك، أوله الثلاثاء ثبت على الحاكم (٢) استهلّ شهر شعبان وأهل البلد في خوف شديد وأهل القرايا والحواضر في نقلة أثاثهم وأبقارهم ودوابهم وأبنائهم ونسائهم، وأكثر أبواب البلد مغلقة سوى بابي الفراديس والجابية، وفي كل يوم نسمع بأمور كثيرة من النهب للقرايا والحواضر، حتى انتقل كثير من أهل الصالحية أو أكثرهم، وكذلك من أهل العُقَيْبة (٣) وسائر حواضر البلد، فنزلوا عند معارفهم وأصحابهم، ومنهم من نزل على قارعة الطريق بنسائهم وأولادهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقال كثيرٌ من المشايخ الذين أدركوا زمن قَازَان: إن هذا الوقت كان أصعب من ذلك لمَا ترك الناس من ورائهم من الغلات والثمار التي هي - عمدة قوتهم في سنتهم، وأما أهل البلد ففي قلق شديد أيضًا لما يبلغهم عنهم من الأراجيف، أنّهم على عزم نهب البلد، فجعل كثير من الناس يُودعون عزيزَ ما يملكون عند من يأمنون، واشتدَّ الأمر جدًّا، وخاف كثير من الناس من التجار، وجعلوا (٤) يدعون عَقِيْب الصلوات عليهم يصرِّحون بأسمائهم ويعنون بأسماء أمرائهم وأتباعهم.


(١) ليست في الأصل واستدركتها من أو ب وط.
(٢) ليست في أ وب وط، وهي في الأصل.
(٣) في ط: العقيبة.
(٤) ليس في أ وب، وط، وهي في الأصل.

<<  <   >  >>