للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونائب القلعة الأمير سيف الدين إباجي في كل وقت يسكِّن جأش الناس ويقوِّي عزمهم ويبشِّرهم بخروج العساكر المنصورة من الديار المصرية صحبة السلطان إلى بلاد غزة حيث الجيش الدمشقي، ليجيئوا كلُّهم في خدمته وبين يديه، وتدق البشائر فيفرحُ النّاس، ثم تسكن الأخبار وتبطل الروايات فتقلق الناس.

شهر رمضان المعظّم أوله الخميس، لما كان أول ليلة من هذا الشهر بات أكثر أهل دمشق بظاهر البلد في البيوت المطلّة على الطريق وفي الأسطحة، وقد زينت البلد، وبات الناس في شموع ومغانٍ وأفراح وباتت الحمول والأثقال على الجمال في طول الليل ترد فوجًا بعد فوج وبعد الفجر أُخرج أهل الذمّة بالشموع والتوراة والإنجيل يدعون للسلطان، فأول من خرج السّامريون، ثم النصارى، ثم اليهود، وذلك قبل طلوع الفجر، وقت السّحر، فلمّا آن طلوع الشمس أقبلت الأطلاب على راياتها وترتيبها حلقًا من بعد حلق، وفوجًا من بعد فوج في تجمُّل عظيم.

ثم جاء السلطان أيّده (١). الله تعالى وقد ترجَّل الأمراء بين يديه من حين بسط له الحرير الأحمر عند مسجد الذُّبَّان إلى داخل القلعة المنصورة، وهو لابس قباءً أحمر بفرو وقائم على فرس أصيلة مؤدّبة معلّمة المشي على الفرش لا تحيد عنه، وهو حسن الصُّورة مقبول الطلعة، عليه بهاء المملكة والرياسة، والجتر فوق رَأسه يحمله بعض الأمراء الأكابر، وكلّما عاينه من عاينه من الناس يبتهلون بالدعاء بأصوات عالية، والنساء بالزغرطة، وفرح الناس فرحًا شديدًا، وكان يومًا مشهودًا، وأمرًا حميدًا، جعله الله مباركًا على المسلمين.

فنزل بالقلعة المنصورة (أعلى الله شأنه وشيَّد أركانه) (٢) وقد قدم معه الخليفة المعتضد أبو الفتح أبو بكر (٣) بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وكان راكبًا إلى جانبه من ناحية اليسار، ونزل بالمدرسة الدِّماغية (٤) بجوار القلعة.

[ثم] (٥) في أواخر هذا اليوم سار (٦) الأمراء مع نائب الشام أرغون الكاملي، وتقدَّمهم طاز وشَيْخُون طلب بَيْبُغا ومن معه من البغاة المفسدين.

وفي يوم الجمعة ثانيه حضر السلطان أيَّده الله إلى الجامع الأموي وصَلَّى فيه الجمعة بالمشهد الذي


(١) ليست في أ وب، وط، وهي في الأصل من قوله شهر رمضان المعظّم أوّله الخميس.
(٢) ليست في أ وب وط. وهي في الأصل.
(٣) في ط: أبو الفتح بن أبي بكر وهو غلط. فهو أبو الفتح وأبو بكر أيضًا.
(٤) داخل باب الفرج وشمالي العمادية. الدارس (١/ ٢٣٦).
(٥) ما بين الحاصرتين زيادة من الذيل التام (١/ ١٢٦).
(٦) في ط: سائر وهو تحريف.

<<  <   >  >>