للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستسقاء، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين، وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صَصْرَى، وكان عدو الشيخ، فسُجن المِزْي، فبلغ الشيخ تقي الدين، فتألم لذلك، وذهب إلى السجن، فأخرجه منه بنفسه، وراح إلى القصر فوجد القاضي هنالك، فتقاولا بسبب الشيخ جمال الدين المِزّي، فحلف ابن صَصْرَى لا بد أن يعيده إلى السجن وإلا عَزَل نفسه، فأمر النائب بإعادته تطييبًا لقلب القاضي، فحبسه عنده في القوصية أيامًا ثم أطلقه.

ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق أصحابه في غيبته، فتألم النائب لذلك، ونادى في البلد أن لا يتكلم أحد في العقائد، ومن تكلّم في ذلك حلَّ ماله ودمه ونهبت (١) داره وحانوته. فسكنت الأمور.

وقد رأيت فصلًا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات.

ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر، واجتمع الجماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة. وفي هذا اليوم عزل ابن صَصْرَى نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين في المجلس المذكور، وهو من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادة ابن صَصْرَى إلى القضاء، وذلك بإشارة المَنْبِجي، وفي الكتاب: إنا كنا رسمنا (٢) بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية، وقد بَلَغنا ما عُقِد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف، وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نُسب إليه. ثم جاء كتاب آخر في خامس رمضان يوم الإثنين وفيه الكشف عما كان وقع للشيخ تقي الدين بن تيمية في أيام قازان (٣) والقاضي إمام الدين القزويني، وأن يحمل هو والقاضي ابن صَصْرَى إلى مصر، فتوجها على البريد نحو مصر، وخرج مع الشيخ خلق من أصحابه وبكوا وخافوا عليه من أعدائه، وأشار عليه نائب السلطنة الأفرم (٤) بترك الذهاب إلى مصر، وقال له: أنا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا، فامتنع الشيخ من ذلك، وذكر له أن في توجهه لمصر مصلحةً كبيرةً، ومصالح كثيرة. فلما توجه إلى مصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته، حتى انتشروا من باب داره إلى قريب الجسورة، فيما بين دمشق والكسوة، وهم فيما بين باك وحزين ومتفرج ومتنزه ومزاحم متغال فيه.

فلما كان يوم السبت دخل الشيخ تقي الدين غَزّة، فعمل في جامعها مجلسًا عظيمًا، ثم رحلا معًا إلى


(١) في ط: ورتبت.
(٢) في ط: سمعنا. وفي الدرر (١/ ١٤٥) إشارة إلى المرسوم.
(٣) كذا في ب، وفي أوط: جاغان.
وكان ذلك عام (٦٩٨ هـ) عندما اجتمعوا في مشهد علي بعد انهزام جيش السلطان أمام قازان لأخذ الأمان للبلد منه. النجوم الزاهرة (٨/ ١٢٣).
(٤) في ط: ابن الأفرم.

<<  <   >  >>