للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على عشرة أضعاف بني أسد، ولم يكن جمع بني أسدٍ كاملًا، وإنما فجؤوهم بغتة، وقد كان كل من الطائفتين على غاية ما يكون من العشاء في الأرض، قد خرّب كلٌّ من العشيرين قرايا كثيرة جدًّا، ونهبوا أموالًا، واستحق كلُّ منهم القتل على مذهب من يرى الدَّرء (١). والمقصود أنه قُتل من كلٍّ من الفريقين خلقٌ كثير. وجمٌّ غفير، فأقلُّ ما ذكر لي خمسمئة، وقيل: ألف، وقيل: ألفان.

وأخبرني بعض الأجناد الذين كانوا مجرّدين بتلك البلاد أن بني هلال جعلوا يجمعون القتلى من بني أسد، ويجعلونهم روابي يصعدون فيؤذنون فوقهم افتخارًا بكثرة من قتلوا. يعنون أنّهم يسامتون (٢) المآذن (٣).

شهر جمادى الأولى، أوّله الأربعاء، في يوم الجمعة عاشره حضر نائب السلّطنة إلى المدرسة العادلية الكبيرة بعد صلاة الجمعة بسبب عَقْدِ ابْنَةِ قاضي القضاة تاج الدين بن السُّبكي على ابن ابن قاضي القضاة شرف الدين الكَفْري الحنفي، وحضره بقية القضاة والأعيان، وكان عقدًا هائلًا، أنشأه وقرأه الشيخ صلاح الدين الصَّفدي.

وفي صبيحة يوم السبت حادي عشره حضر الشيخ شرف الدين ابن شيخ الجبل الحنبلي بمسجد ابن هشام ميعادًا، وجلس على الكرسيّ، وتكلّم من حفظه، وذلك من مرسوم نائب السلطنة له بذلك.

أن يجلس في كل يوم سبت في هذا المسجد كما يحضر الجامع يوم الثلاثاء (٤).

ثم جاءت الأخبار في يوم الأحد ثاني عَشَرَ جُمادى الأولى بعزل نائب السلطنة عن دمشق فلم يركب في الموكب يوم الإثنين، ولا حضر في دار العدل، ثم تحقَّقت الأخبارُ بذلك وبذهابه إلى نيابة حلب، ومجئ نائب حلب (٥) إلى دمشقَ، فتأسَّفَ كثيرٌ من الناس عليه لديانته وجُودِهِ وحُسن معاملته لأهل ومجيء العلم، ولكنَّ حاشيته لا ينفِّذون أوامره، فتولّد بسبب ذلك فسادٌ عريض، وحموا كثيرًا من البلاد، فوقعت الحروب بين أهلها بسبب ذلك، وهاجت العشيرات فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين خرج الأمير علي المارداني من دمشق في طلبه مستعجلًا في أُبَّهة النيابة، قاصدًا إلى حلب المحروسة، وقد ضرب وطاقه بوَطْأة بَرْزَة، فخرج الناس للتفرُّج على طلبه.

فلما ولّى ظهره إلى ناحية سوق الخيل خرجت جنازة شيخه الشيخ شمس الدين البانقوس الحنفي (٦)،


(١) يعني: درء المفاسد.
(٢) يسامتون: يضارعون ويشابهون.
(٣) الخبر في تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ١٣١. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه.
(٤) ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله: شهر ربيع الآخر، أوّله الثلاثاء.
(٥) هو: مَنْجك اليوسفي.
(٦) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة (٣/ ١٤٤).

<<  <   >  >>