للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلعة، ثم سافر به الأمير علاء الدين بن أبي بكر إلى الديار المصرية محتفظًا به مضيقًا عليه.

وجاء الخبر بأن مَنْجك سافر من صفد على البريد مطلوبًا إلى السُّلطان، فلما كان بينه وبين غزة بريد واحد دخل بمن معه من خدمه التِّيْه فارًّا من السلطان، وحين وصل الخبر إلى نائب غزة اجتهد في طلبه فأعجزه وتفارط (١) الأمر، انتهى والله أعلم.

وفي العشر الأخير من هذا الشهر قدم الأمير صلاح الدين الحاجب من غزة راجعًا من تسفير نائب طرابلس إليها، فلما وصل إلى الكسوة أرسل إلى ولد له صغير مراهق ليتلقّاه إليها أو قريب منها لشدّه شوقه إليه ووجده به، فركب الغلام ومعه جنديّه، فلمّا كان قريب الجسورة قيل له: هذا أبوك قد أقبل، فساق ليسرع إليه فتقنطر (٢) به فرسه، فألقاه وتحته، فأتلفه إتلافًا لا يتلافي. وجاء أبوه فوجده على تلك الحال، فحصل له جزع شديد بسببه، وجاءت أم الصَبي، فضربت خيمة هنالك عليه في الطريق، وما زالوا عنده وهو يضطرب حتى مات في أثناء الليل، فحمل من الغد، فدفن في تربة جدّ أمه الصاحب شمس الدين غبريال.

شهر ربيع الأول، أوّله الجمعة، في يوم السبت ثانيه قدم البريد من الديار المصرية بالتقاليد، أحدها وثانيها وثالثها للقاضي أمين الدين بن القلانسي، بكتابة السرّ، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الناصرية والشامية الجوانية، ولبس في هذا اليوم خلعة مصرية ببغلتها.

والتقليد الآخر لقاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي المالكي، أُعيد إلى المنصب، ولما كان الغدُ حضر القاضي أمين الدين المدرستين، وحضر عنده القضاة والأعيان على العادة.

ولما أصبح نهار الإثنين لبس قاضي القضاة جمال الدين المسلّاتي خلعةٌ، وحضر درس الجامع، وقرئ تقليده بحضرة القضاة والأعيان، ثم راح الناس مع القاضي أمين الدين إلى السُّميساطية، فحضرها وقرئ تقليده بها فيها بحضرة الناس، وسقى الناس مشروبًا، وكان له وقتًا مشهودًا، وسافر قاضي القضاة تاج الدين السّبكي الشافعي في صبيحة يوم الإثنين السّابع عشر منه متوجّهًا إلى الديار المصرية، ومعه الكتب التي أُثبتت بقيمة داريّا ودومة وحارتين [من نابلس] وغيرها. ثم استُعيدت منه، ورُجع بها إلى البلد ليقع عقد التبايع بدمشق، واستمرّ هو ذاهبًا إلى الديار المصرية، فاجتاز على القدس الشريف فزاره، ثم دخل الديار المصرية.

وفي يوم الجمعة الثاني أو الثالث والعشرين منه خرج القاضي ناصر الدين كاتب السرّ كان بدمشق ذاهبًا إلى كتابة السر بحلب، وتأسّف الناس عليه لحسن صبحته للناس في هذه الوظيفة.


(١) الذيل ص (٣٢٥) النجوم (١٠/ ٣١٠).
(٢) تقنطر به: ألقى به.

<<  <   >  >>