للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شهر ربيع الآخر، أوّله السبت في ثالثه قدم القاضي صلاح الدين الصفدي مفصولًا عن كتابة سرّ حلب إلى دمشق المحروسة، على وكالة بيت المال، وذهب الناس للسّلام عليه، وتهنئته بالوكالة على العادة.

وفي يوم الثلاثاء رابعه عقد مجلس بمشهد عثمان حضره القضاة الثلاثة سوى الشافعي، وحضر الأمير سيف الدين بَيْدَمِر حاجب الحجاب، وابتاع بطريق الوكالة عن السلطان الملك الناصر حسن من وكيل بيت المال جميع القرايا الثلاث؛ داريا ودومة وحارتين من نابلس، وبعض حواضر بيسان بمبلغ خمسمئة دينار، وسبعين ألف دينار، وأُحضرت أحدُ عشر ألف دينار، وأداروها بينهم حتى حصل الإقباض عن الثمن بحضرة شهوده. وأخبرني وكيل بيت المال المذكور أنّ هذه البيعة كانت أول مباشرته للوكالة. وأخبرني أنّ السلطان اشترى له أنطاكية والفوعة من معاملة حلب.

وفي يوم الثلاثاء رابعه كان دخول قاضي القضاة تاج الدين السُّبكي إلى الديار المصرية، ليسأل عن كتابه، وقد تلقّاه جماعة من الأعيان، واجتمع بالسلطان، وذكر أنّه أقبل عليه، ورسم له بتشريف وبغلةٍ، رتَّب له في كل يوم مئةَ درهمٍ ولحمًا، وغير ذلك، وأطلق له مالًا، وعاد إلى دمشق في يوم الأحد الثالث والعشرين منه، وتلقّاه الناس إلى أثناءِ الطريق، واجتمع بنائب السلطنة أولًا، وخرج من عنده قاصدًا السلام على الأمير سيف الدين بَيْدَمِر الحاجب الكبير في داره.

وفيه درّس محيي الدين ابن القاضي تقي الدين شيخ الشيوخ ابن الزّكي بالمدرسة التّقويّة؛ انتزع نصف التدريس من قاضي القضاة الشافعي برضاه في ذلك، بعد عقد مجلس بسبب ما كان قد رُسم لابن الزّكي.

شهر جمادى الأولى، أوّله الأحد، في آخر أول يوم منه توفيّ القاضي علم الدين (١) ناظر الجيوش المنصورة بالشام، تمرّض شهرًا، ثم كانت وفاته في هذا اليوم بعد العصر، فصلّي عليه بعد الصّبح بالجامع الأموي، وحُمل إلى السفح فدفن هناك. وقد قارب الخمسَ والستين سنة، وأسمع شيئًا يسيرًا، وكان يُجيزُ بشيءٍ من آخر البخاري يوم ختمه. وكان من كرماء الناس ورؤسائهم. وذوي الثروة والحشمة والنفقات، والمآكل الكثيرة المتنوعة .

واشتُهر في أول هذا الشهر أنّ بقرية داريا مَطْلَبًا، فركب الأمير سيف الدين بَيْدَمر وكيل السلطان، ونائب الشافعي، وجماعة من الشهود، فحفروا هناك قبلي القرية، فوجدوا تحت الأرض بابًا مغلقًا فلم يتجاسروا على فتحه حتى يُعلموا السلطان، فبعث من بين يديه من يقف عليه لاحتمال ألا يكون ثمّ شيءٌ.

وفي يوم الأحد ثامنه درّس القاضي شمس الدين الغزي نائب الشافعي بالمدرسة التّقويّة بنزول من قاضي القضاة له عن الذي تبقى بيده، وهو نصف التدريس.


(١) هو محمد بن أحمد بن مفضل بن القطب. ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ١٥٤ - ١٥٥. نقلًا عن ابن كثير، وليس في المطبوع منه، وأعيان العصر ٤/ ٣٠٤ - ٣١٠، والدرر الكامنة ٣/ ٣٦٨، والذيل التام ١/ ١٦٩.

<<  <   >  >>