للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَسَنْدَمُر فأخبره بأن مَنْجَك في دارٍ بالشَّرف الأعلى، فأرسل من فوره إلى ذلك المنزل الذي هو فيه بعض الحجبة ومن عنده من خواصه، فأحضر إلى بين يديه محتفظًا عليه جدًّا، بحيث إن بعضهم رَدَفَهُ (١) من ورائه واحتضنه، فلما واجهه نائب السّلطنة أكرمه وتلقّاه، وأجلسه معه على مقعدته، وتلطَّف به وسقاه وأضافه، وقد قيل: إنَّه كان صائمًا فأفطر عنده، وأعطاه من ملابسه وقيّده وأرسله إلى السلطان في ليلته - ليلة الجمعة - مع جماعة من الجند وبعض الأمراء، منهم حسام الدين أمير حاجب، وقد كان أرسل نائب السلطنة ولده بسيف مَنْجَك من أوائل النهار، وتعجَّب النَّاسُ من هذه القضية جدًّا، وما كان يظنُّ كثير من الناس إلا أنه قد عدم باعتبار أنه في بعض البلاد النائية، ولم يشعر الناس أنه في وسط دمشقَ وأنه يمشي بينهم متنكِّرًا، وقد ذكر أنه كان يحضر الجمعات بجامع دمشق، ويمشي بين الناس متنكرًا في لبسه وهيئته، ومع هذا لن يغني حذر من قدر، ولكل أجل كتاب، وأرسل ملك الأمراء بالسيف وبملابسه التي كان يتنكر بها، وبعث هو مع جماعة من الأمراء الحجبة وغيرهم وجيش كثيف إلى الديار المصرية مقيدًا محتفظًا عليه، ورجع ابن ملك الأمراء بالتحف والهدايا والخلع والإنعام لوالده، ولحاجب الحجَّاب، ولبس ذلك الأمراء يوم الجمعة واحتفل الناس بالشُّموع وغيرها، ثم تواترت الأخبار بدخول مَنْجَك إلى السلطان وعفوه عنه وخلعته الكاملة عليه وإطلاقه له الخام والخيول المسومة والألبسة المفتخرة، والأموال والأمان، وتقديم الأمراء والأكابر له من سائر صنوف التُّحف.

شهر صفر المبارك، أوَّله الإثنين، وقدم (٢) الأمير علي (٣) من صفد قاصدًا إلى حماة لنيابتها، فنزل القصر الأبلق ليلة الخميس رابعه وتوجَّه ليلة الأحد سابعه.

وفي يوم الأربعاء عاشره توفي الرئيس نجم الدين عبد الوهاب ابن الصاحب الوزير فخر الدين بن السِّيرجي (٤) عن ثلاث وسبعين سنة، وصلي عليه ظهر يومئذ بالجامع، ودفن بتربتهم بباب الصغير، وكان من أجواد الدَّماشقة، ورؤسائها، ساكنًا، وقورًا .

وفي يوم الجمعة ثاني عشره حضر نائب السلطنة الصلاة بالشباك الكمالي، وعليه خلعة سنيّة، وكذلك على حاجب الحجاب شكرانًا لمسك الأمير منجك، وقد احتفل له الناس بالشموع في الطريق، وجمع أهل الذمة من اليهود والنّصارى، ورجع من الصلاة، وبين يديه شبابة تصفر، تشبهًا بالملوك (٥).


(١) "رَدفَهُ": ركب خلفه. اللسان (ردف).
(٢) في ط: قدوم وهو تحريف.
(٣) هو: علي المارداني، نائب دمشق كان.
(٤) ترجمته في تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ١٧٣.
(٥) ليست في أ و ب و ط. وهي في الأصل. من قوله: وفي يوم الأربعاء عاشره.

<<  <   >  >>