والجاه والمال والرفعة في الدنيا، وحقٌّ على الله تعالى أن لا يرفع شيئًا من أمر الدنيا إلا وضعه.
شهر جمادى الأولى، أوّله الجمعة، وفي يوم الأحد ثالثه درّس القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بالمدرسة الرّكنية عودًا على بدء، ولكن بحكم أنّ له نصف التدريس، ونصف النّظر، بمرسوم شريف، وللقاضي الكفري النصف الآخر في التدريس والنظر.
وفي يوم السبت سادس عشره وصل الوزير فخر الدين بن قَرَوينة من الديار المصرية بتولّيه الوزارة بدمشق، ونظر الدواوين، فدخل دار السعادة حتى سلَّم على النائب، ثم جاء إلى الجامع الأموي، فصلّى به العصر تجاه محراب الحنفية، وفي خدمته الأكابر الذين تلقَّوْه. ثم خرج من باب البرادة قاصدًا إلى داره، وهي دار العلم ابن القطب الذي كان ناظر الجيش داخل باب الصغير، ولبس الخلعة يوم الإثنين، وجلس بدار السعادة إلى جانب القضاة، مكان جدّه أمين الملك، ولكن خلع عليه أجمل من خلعة نظار الدواوين، بزناري أطلس، ويصرّح بأنه وزير، ولم يجلس فوق القضاة ولم يلبس لُونَه زركش، ولا قبع ذهب (١).
وفي صبيحة يوم الأحد سابع عشره أُفرج عن العلم الهلالي وعن ولديه، وكانوا معتقلين بالقلعة المنصورة، وسلّمت إليهم دورهم وحواصلهم، ولكن أخذ ما كان حاصلًا في داره، وهو ثلاثمئة ألف وعشرون ألفًا، وختم على حُجَجه ليُعقد لذلك مجلسٌ، ليرجع رأس ماله منها عملًا بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩] ونُودي عليه في البلد إنما فعل به ذلك لكونه لا يؤدّي الزكاة ويعامل بالربا، وحاجب السُّلطان ومتولي البلد، وبقية المتعمِّمين والمشاعلية تُنادي عليه في أسواق البلد وأرجائها.
وفي يوم الجمعة الثاني والعشرين منه ورد المرسوم السلطاني الشريف بإطلاق الدواوين إلى ديارهم وأهاليهم، ففرح النّاسُ بسبب ذلك، لخلاصهم ذلك، لخلاصهم مما كانوا فيه من العقوبة والمصادرة البليغة، ولكن لم يستمرّ بهم في مباشراتهم.
وفي صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين تكلَّم الشيخ شهاب الدين المقدسي الواعظ، قدم من الديار المصرية تجاه محراب الصحابة. واجتمع الناس إليه وحضر من قضاة القضاة الشّافعيّ والمالكيّ، فتكلَّم على تفسير آيات من القرآن، وأشار إلى أشياء من إشارات الصوفية بعبارات طلقةٍ مُعْربةٍ حلوة صادعة للقلوب فأفاد وأجاد، وودَّع الناس بعَوده إلى بلده، ولما دعا استنهض الناس للقيام، فقاموا في حال الدعاء، وقد اجتمعت به بعد المجلس فرأيته حسن الهيئة والكلام والتأدُّب.
(١) ليست في أ و ب و ط، وهي في الأصل. من قوله شهر جمادى الأولى، أوّله الجمعة.