للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله [تعالى] (١) إخبارًا عن فرعون حين أدركه الغرق، وأُحيط به ورأى بأس الله، وعاين عذابه الأليم، فقال حينئذ (٢): ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] قال الله تعالى: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: ٩١ - ٩٢] فاعتقد هذا العامي أن هذا الإيمان الذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه، وقد قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٤ - ٨٥]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧] [وقد دعا موسى على فرعون فقال: ﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٨ - ٨٩] الآية (٣).

ثم حضر في يوم آخر وهو مصمِّم على ضلاله فضُرب بالسّياط، فأظهر التوبةَ، ثم أعيد إلى السجن في زِنْجير، ثم أحضر يومًا ثالثًا وهو يستهل بالتوبة فيما يظهر، فنودي عليه في البلد ثم أُطلق (٤).

وفي ليلة الثُّلاثاء الرابع عشرَ طلع القمر خاسفًا كلُّه، ولكن كان تحت السحاب، فلما ظهر وقت العشاء وقد أخذ في الجلاء صلَّى الخطيبُ صلاة الكُسوف قبل العشاء، وقرأ في الأولى بسورة العنكبوت وفي الأخرى بسورة يس، ثم صعد المنبر فخطب، ثم نزل بعد العشاء.

وقدمت كتب الحجّاج يخبرون بالرُّخص والأمن، واستمرت زيادة الماء من أول ذي الحجة وقبلها إلى هذه الأيام من آخر هذا الشهر والأمر على حاله، وهذا شيء لم يعهد كما أخبر به عامة الشيوخ، وسببه أنه جاء ماء من بعض الجبال انهال في طريق النهر.

ودخل المحمل السلطاني يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من المحرم قبل الظهر، ومسك أمير الحاج جَركْتَمُر (٥) المارداني الذي كان مقيمًا بمكَّة شرفها الله تعالى، وحماها من الأوغاد، فلما عادت التجريدة مع الحجاج إلى دمشق صحبة ابن قَرَاسُنقُر (٦) من ساعة وصوله إلى دمشق، فقُيّد وسُيّر إلى الديار المصرية على البريد، وبلغنا أنَّ الأمير سند أميرَ مكّة غرّر بجند السلطان الذين ساروا صحبة ابن قَرَاسُنقُر وكبسهم


(١) زيادة من الذيل التام.
(٢) في ط: حين الغرق إذًا. وأثبتنا ما في الذيل التام.
(٣) في ط: فاستجيبت دعوتكما. وفي العبارة خلل. والزيادة مستدركة من الذيل التام (١/ ١٨٢) نقلًا عن ابن كثير.
(٤) الخبر في الذيل التام (١/ ١٨٠) فقد نقله السخاوي عن ابن كثير بخلاف طفيف في بعض الألفاظ دون المعنى.
(٥) في ط: شركتمر. وأثبت ما في إتحاف الورى (٣/ ٢٨٨)، وفيه الخبر.
(٦) في ط: القراسَنقر. تحريف.

<<  <   >  >>