للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يومه، وهذا المذكور ابن البناء عنده زهادة وتعفف، وهو مصري يسمع الحديث ويقرؤه، ويتكلم بشيء من الوعظيات والرقائق، وضرب أمثال، وقد مال إليه كثير من العوام واستحلوه، وكلامه قريب إلى مفهومهم، وربما أضحك في كلامه، وحاضرتُه. وهو مطبوع قريب إلى الفهم، ولكنه أساءَ فيما ذكر عنه من شطحته في بعض أشياء إن حل عنه ذلك، والله الموفق، ثم إنه جلس للناس في يوم الثلاثاء ثامنه فتكلم على عادته، فتطلبه القاضي المذكور، فيقال إن المذكور تغيَّب. انتهى والله أعلم.

سلطنة الملك المنصور صلاح الدين محمد (١): ابن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وزوال دولة عمه الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون.

لما كثر طمعه وتزايدَ شرهه، وساءت سيرته إلى رعيته، وضيّق عليهم في معايشهم وأكسابهم، وبنى البنايات الجبَّارة التي لا يحتاج إلى كثير منها، واستحوذ على كثير من أملاك بيت المال وأمواله، واشترى منه قرايا كثيرة ومدنًا ورساتيق (٢)، وشق ذلك على الناس جدًّا، ولم يتجاسر أحد من القضاة ولا الولاة، ولا العلماء ولا الصلحاء على الإنكار عليه، ولا الهجوم عليه، ولا النصيحة له بما هو مصلحة له وللمسلمين، انتقم الله منه فسلَّط عليه جنده وقلب قلوب رعيته من الخاصة والعامة عليه، لما قطع من أرزاقهم ومعاليمهم وجوامكهم وأخبازهم، وأضاف ذلك جميعه إلى خاصته، [فقلت الأمراء والأجناد والمقدمون (٣) والكتَّاب والموقِّعون، ومسَّ الناسَ الضررُ وتعدَّى على جوامكهم وأولادهم ومن يلوذ بهم] (٤)، فعند ذلك قدّر الله تعالى هلاكه على يد أحد خواصه وهو الأمير الكبير سيف الدين يَلْبُغَا الخَاصكي. وذلك أنه أراد السلطان مسكه فاعتدَّ لذلك، وركب السلطان لمسكه فركب هو في جيش، وتلاقيا في ظاهر القاهرة حيث كانوا نزولًا في الوطاقات، فهزم السلطان بعد كل حساب وقد قتل من الفريقين طائفة، ولجأ السلطان إلى قلعة الجبل، كلا لا وزر، ولن يُغنيَ حذر من قدر، فبات الجيش بكماله محدقًا بالقلعة، فهم بالهرب في الليل على هجن كان قد اعتدها ليهرب إلى الكَرَك، فلما برز مُسك واعتُقل ودخل به إلى دار يَلْبُغَا الخاصكي المذكور، وكان آخر العهد به، وذلك في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى من هذه السنة، وصارت الدولة والمشورة متناهية إلى الأمير سيف الدين يَلْبُغَا الخاصكي، فاتفقت الآراء واجتمعت الكلمة وانعقدت البيعة للملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي، وخطب الخطباء وضُربت السكة، وسارت البريدية للبيعة باسمه الشريف، هذا وهو ابن ثنتي عشرة، وقيل أربع عَشْرَةَ، ومن الناس


(١) الذيل للحسيني (٣٣٨ وما بعدها). والدرر الكامنة (٢/ ٣٨) والذيل التام (١/ ١٧٩).
(٢) في الذيل التام: وأكثر من سفك الدماء.
(٣) في الذيل التام: حتى قلَّ الأمراء من كبار المتقدمين.
(٤) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ و ب و ط.

<<  <   >  >>