للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجبورين، وأما الأمراء المذكورون فإنهم أُركبوا على خيل ضعيفة، وخلف كل واحد منهم وساقي (١) أخذ بوسطه. قيل: وفي يد كل واحد من الوِسَاقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها، فدخل جهرة بين الناس ليُروهم ذلتهم التي قد لبستهم، وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب، فقام كثير من الناس، الله أعلم بعدتهم، إلا أنهم قد يقاربون المئة ألف أو يزيدون عليها، فرأى الناس منظرًا فظيعًا، فدخل به الوساقية إلى الميدان الأخضر الذي فيه القصر، فأجلسوا هنالك وهم ستة نفر: الثلاثة النواب وجبريل وابن أسَندَمُر، وسادس، وظن كل منهم أن يُفعل بهم فاقرة (٢)، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وتراسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابًا أطلابًا في تجمل عظيم، ولبس للحرب بهرَ البَصَر وخيول وأسلحة ورماح، ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن، وعليه من أنواع الملابس قباء (٣) زِنْجَارَي، والقبة والطير يحملهما على رأسه الأمير سيف الدين تُوْمَان تَمُر الذي كان نائب طرابلس، والأمراء مشاة بين يديه، والبسط تحت قدمي فرسه، والبشائر تضرب خلفه، فدخل القلعة. ورأى ما قد أرصد بها من المجانيق والأسلحة، فاشتد حنقه على بَيْدَمُر وأصحابه كثيرًا، ونزل الطارمة، وجلس على سرير المملكة، ووقف الأمراء والنواب بين يديه، ورجع الحق إلى نصابه، وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صلاح الدين صالح في أول يوم من رمضان، وهذا في التاسع والعشرين منه، وقد قيل: إنه سلخه والله أعلم. وشرع الناس في الزينة.

وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين إلى القلعة فأنزلوا في أبراجها مهانين، مفرقًا بينهم، [بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين، أصبحوا معتقلين مهانين خائفين، فخاروا بعدما كانوا رؤساء، وأصبحوا بعد عزهم أذلاء] (٤)، وتطلب أَعْيانُ أَصْحَابِ هَؤُلاءِ الأُمَراءِ. ونودي عليهم في البلد، ووعد من دل على أحد منهم بمال جزيل، وولاية إمرة بحسب ذلك، ورسم في هذا اليوم على الرئيس أمين الدين بن القلانسي كاتب السر (٥)، وطلب منه ألف ألف درهم، وسُلِّم إلى الأمير زين الدين زبالة نائب القلعة، وقد أُعيد إليها وأعطي تقدمة ابن قَرَاسُنقُر، وأمره أن يعاقبه إلى أن يزن هذا المبلغ.

شهر شوال أوّله الأربعاء، وصلَّى السلطان وأمراؤه بالميدان الأخضر صلاة العيد، ضرب له خام


(١) "الوساقي": الحمّال.
(٢) "الفاقرة": الداهية والمصيبة.
(٣) في ط: قباز.
(٤) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل، واستدركته من أ وب وط.
(٥) هو: محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله. مات سنة (٧٦٣) هـ كما سيأتي.

<<  <   >  >>